شرح
محمد نووي بن عمر الجاوي
على
المنبهات على الإستعداد ليوم المعاد
تأليف
شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد بن
أحمد بن حجر العسقلاني
258 ه( 777(
بسم الله الرحمن لرحيم
الحمد لله الذى جعل العلمَ أرفعَ الصفات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له الذى خصّ من شاء من عباده بالمآثر الحكمية، وأشهد أن
محمدا عبده ورسوله الذى خصّه الله تعالى بجميع كمالات العبودية، وصلى
الله على سيدنا محمد الذى ملأّ الله تعالى قلبه صلى الله عليه وسلم من جلاله
الأعلى جلّ وعلا، وعينه صلى الله عليه وسلم من جماله الأسنى فصار صلى
الله عليه وسلم مسرورا منصورا، وعلى آله وأصحابه والسالكين على منهجه
فنالوا خيرا وافرا.
)أما بعد(: فيقول المرتجى غَفْرَ المَسَاوِى محمد نووى بن عمر الجاوي:
هذا شرح وضعته على الكتاب المشتمل على المواعظ للعلامة الحافظ الشيخ
شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد بن أحمد الشافعي الشهير بابن خجر
العسقلاني ثم المصري تغمده الله تعالى برحمته آمين، وسميته: )نصائح العباد
فى بيان ألفاظٍ منبهاتٍ على الإستعداد ليوم المعاد(. وأسأل الله الكريم أن
ينفع به المسلمين، وأن يجعله ذخيرة إلى يوم الدين آمين.
) بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ( وتسن عند ابتداء كل أمور غير محقّرات، فإن
تركها فى أولها أتة بها فى أثنائها بقوله "بسم الله فى أوله وآخره". )الحمدُ للهِ
فى كلِّ حِيْنٍ ( أي زمان قل أوكثر )وَأَوْقَاتٍ ( وهي أزمنةٌ محدودةٌ، وهي من
عطف خاصٍ على عامٍ )وَالصَّ لاة ( أي العطفُ من الله ومن غيره )عَلَى رَسُوْلهِ (
إلى كافّة الخلق )أَشْ رََْفِ الخَلْقِ ( وهو كل ما أوجده الله تعالى على تقديرٍ
أوجبتْه الحكمةُ )والبَرِيَّاتْ ( أي المخلوقات مطلقا أو التى فى الأرض، فهي
من عطف المرادف أو من عطف الخاص على العام، فسيدنا محمد صلى الله
عليه وسلم أفضلُ الخلق كلهم.
)هَذِه ( أي المستحضَرة فى الذهن )مُنبِّهاتٌ على الإستعداد ليوم المعاد(
أي على التأهّب لأجل وقتِ الرجوعِ إلى الله تعالى )فإنّ منها( أي المنبهات
)ما يكون مَثْنَى( أي زوجين زوجين )ومنها ما يكون ثُلاَثَى، إلى تمام العَشَ رة(
وجملةُ المقالات مائتان وأربعَ عشرةَ، الأخيارُ خمسةٌ وأربعون، والبواقى آثارٌ،
وأنا الآن أريد التبركَ بإتيان حديثين شريفين جليلين:
)فالحديثُ الأول(: أجازني به العلامة الشيخ محمد الخطيب الشامي ثم
المدني الحنبلي وهو ابن عثمان بن عباس بن عثمان، عن مشايخه متصلا إلى
أبى ذرّ الغِفاري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه
عن رلبه عزّ وجل، قال تعالى: ))يا عِبَادِي إني حَرَّمْتُ الظُّلْمَ على نَفْسِي
وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فلا تَظَالَمُوا، يا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إلاَّ من هَدَيْتُهُ
فاسْتَهْدُوْنى أَهْدِكُمْ، يا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إلاّ من أَطْعَمْتُهُ فاسْتَطْعِمُونى
أُطْعِمْكُمْ، يا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إلاّ من كَسَوْتُهُ فاسْتَكْسُونى أَكْسُكُمْ، يا عِبَادِي
إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وأنا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جميعا فاسْتَغْفِرونى أَغْفِرْ لَكُمْ،
يا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يا
عِبَادِي لو أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا على أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ
وَاحِدٍ مِنْكُمْ ما زَادَ ذلك في مُلْكِي شَيْئًا، يا عِبَادِي لو أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ
وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا على أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ ما نَقَصَ ذلك من مُلْكِي
شيئا، يا عِبَادِي لو أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُ مْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا في صَعِيدٍ وَاحِدٍ
فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ ما نَقَصَ ذلك مِمَّا عِنْدِي إلاّ كما يَنْقُصُ
الْمِخْيَطُ إذا أُدْخِلَ الْبَحْرَ، يا عِبَادِي إنما هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ
إِيَّاهَان فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ غيرَ ذلك فلا يَلُومَنَّ إلا
نَفْسَه ((.
)والحديث الثانى(: أجازني به العلامة السيد أحمد المرصفي المصري
بعد أن أجازني به السيد عبد الوهاب بن لأحمد فرحات الشافعي، عن
مشايخه مسلسلا بالأولية إلى عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبيّ صلى الله
عليه وسلم أنه قال: ))الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ تبارك وتعالى ارْحَمُوا مَنْ فِي
الأرضِ يَرْحَمْكُمْ من في السَّمَاءِ ((، والمعنى: الراحمون لمن فى الأرض من
آدمي وحيوان لم يؤمر بقتله بالإحسان إليهم يحسن الرحمن إليهم، اِرْحموا من
تستطيعون أن ترحموه من أصناف مخلوقاته تعالى ولو غيرَ عاقل بالشفقة
عليهم ودعائكم لهم بالرحمة والمغفرة يرحمكم الملائكة، ومن رحمته عامة
لأهل السماء الذين هم أكثر من أهل الأرض. ولا يجوز لشخص أن يدعو
لجميع المسلمين بغفر جميع ذن وبهم أو يدعو لفقير بنحو مائة دينار وليس له
جهة يتسهل منها ذلك ويقول هذا من الرحمة بالخلق لأنه مخالف لنصوص
الشرع اه. رؤي الغزالي فى النوم فقيل له: ما فعل الله بك؟، فقال أوقفني بين
يديه، وقال لي: بم قدمتَ عليّ؟، فصرتُ أذكر أعمالي، فقال: لم أقبلها،
وإنما قبلتُ منك ذات يوم نزلت ذبابةٌ على مداد قلمك لتشرب منه وأنتَ
تكتب فتركتَ الكتابة حتى أخذتْ حظها رحمة بها، ثم قال تعالى: امضوا
بعبدي إلى الجنة. وفى قوله صلى الله عليه وسلم "يرحمكم" روايتان، الجزمُ
على أنه جواب الأمر، والرفعُ على أنه جملة دعائية، وهو أولى لأن دعائه
صلى الله عليه وسلم غير مردود.
ومن أسباب حسن الخاتمة: المواظبة على هذا الدعاء، وهو: "اللهم أكرِمْ
هذه الأمةَ المحمديةَ بجميل عوائدك فى الدارين إكراما لمن جعلتها من أمته
صلى الله عليه وسلم ".
ومنها: المواظبة على هذا الدعاء بين سنة الصبح وفرضه، وهو: "اللهمّ
اغفر لأمة سيدنا محمد، اللهم ارحم أمة سيدنا محمد، اللهم استر أمة سيدنا
محمد، اللهم اجبر أمة سيدنا محمد، اللهم أصلِحْ أمة سيدنا محمد، اللهم
عافِ أمةَ سيدنا محمد، اللهم احفظ أمة سيدنا محمد، اللهم ارحم أمة سيدنا
محمد رحمة عامة يا رب العالمين، اللهم اغفر لأمة سيدنا محمد مغفرة عامة
يا رب العالمين، اللهم فرّجْ عن أمة سيدنا محمد فرجا عاجلا يا رب
العالمين".
ومنها: ملازمة هذا الدعاء، وهو: "يا رب كل شيء بقدرتك على كل شيء
اغفرْ لي كل شيء، ولا تسألني عن كل شيء، ولا تحاسبني فى كل شيء،
وأعطني كل شيء". اه
بَابُ الثُنَائي
وفيه ثلاثون موعظة، أربعة أخبار والباقى آثار. ونعنى بالأخبار أقوال النبي
صلى الله عليه وسلم، وبالآثار أقوال الصحابة والتابعين.
)فمِنْه ( أي فالمقالة الأولى من المنبهات الثنائية )ما رُوي عن النبي صلى
الله عليه وسلم أنه قال: خَصْل تَان لاَ شَيْءَ أَفْضَلُ مِنْهُمَا: الإِيْمَانُ بِاللهِ وَالنَفْعُ
لِلْمُسْلِمِيْنَ ( بالمقال أو بالجاه أو بالمال أو بالبدن. قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "مَنْ أَصْبَحَ لاَ يَنْوِي الظُلْمَ عَلَى أَحَدٍ غُفِرَ لَهُ مَا جَنَى، وَ مَنْ أَصْبَحَ
يَ نْوِي نُصْرَةَ المَظْلُوْمِ وَقَضَاءِ حَاجَةِ المُسْلِمِ كَانَتْ لَهُ كأَجْرِ حَجَّةٍ مَبْرُوْرَةْ ". وقال
عليه السلام: "أَحَبُّ العِبَادِ إِلَى اللهِ تعالى أَنْفَعُ النَاسِ لِلنَّاسِ، وَأَفْضَلُ الأعْمَال
إِدْخَالُ السُرُوْرِ عَلَى قَلْبِ المُؤْمِنِ، يَطْرُد عَنْهُ جُوْعًا أَوْ يَكْشِفُ عَنْهُ كَرْباً أَوْ
يَقْضِىْ لَهُ دَيْنًا". )وَخَصْلَتَان لاَ شَيْءَ أَخْبَثُ ( أي أنجس )مِنْهُمَا: الشِرْكُ بِاللهِ
والضُرُّ لِلْمُسْلِمِيْنَ ( فى أبدانهم أو أموالهم، فإن جميع أوامر الله تعالى ترجع
إلى خصلتين: التعظيم لله تعالى والشفقة لخلقه، كقوله تعالى: "أَقِيمُوا الصَّلاةَ
وَآتُوا الزَّكَاة " ]البقرة: 37 [، وقوله تعالى: "اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ " ]لقمان:
.]43
روي عن أويس أنه قال: "مررتُ فى بعض سياحتي براهب، فقلتُ
ياراهب، ما أول درجة يرقاها المريد؟، قال: ردّ المظالم وخفّة الظهر من
التبعات، فإنه لا يصعد للعبد عملٌ وعليه تبعةٌ أومظلمة .
)وَ ( المقالة الثانية )قَالَ ( النبي )عَلَيْهِ السَلاَم : عَلَيْكُمْ بِمُجَالَسَةِ الْعُلَمَاءِ (
أي العاملين )وَاسْتِمَاعِ كَلاَمِ الْحُكَمَاءِ ( أي العالمين بذات الله تعالى المصيبين
فى أق والهم وأفعالهم )فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يُحْيِي الْقَلْبَ المَيِّتَ بِنُورِ الْحِكْمَةِ ( أي
العلم النافع )كَمَا يُحْيِي الأَرْضَ المَيْتَةَ بِمَاءِ المَطَرِ ( وفى رواية الطبراني عن أبى
حنيفة "جَالِسُوْا الكُبَراءَ وَسَائِلُوا العُلَماءَ وَخَالِطُوا الحُكَماء ". وفى رواية:
"جَالِسْ العُلمَاءَ وَصَاحِبْ الحُكَماَءَ وَخَالِطْ الكُبَراَء " أي فإنّ العلماء ثلاثة
أقسام: العلماء بأحكام الله تعالى وهم أصحاب الفتوى، والعلماء بذات الله
فقط، وهم الحكماء ففى مداخلتهم تهذيب للأخلاق لأنهم أشرقت قلوبهم
بمعرفة الله وأشرقت أس رارهم بأنوار جلال الله والعلماء بالقسمين وهم الكبراء
فإن مخالطة أهل الله تكسب أحوالا سنية والنفع باللحظ فوق النفع باللفظ
فمن نفعك لحظه نفعك لفظه ومن لا فلا. وكان السهروردي يطوف فى بعض
مسجد الخيف بمنى يتصفح الوجوه، فقيل له فيه، فقال: إن لله عبادا إذا
نظروا إلى شخص أكسبوه سعادة فأنا أطلب ذلك. قال النبي صلى الله عليه
وسلم: "سَيَأْتي زَمَانٌ عَلى أُمَّتِي يَفِرُّوْن منَ العلماءِ والفُقَهاءِ فَيَبْتَلِيَهم اللهُ بِثَلاَثِ
بَلِيَّاتٍ، أُوْلاهَا يَرْفَعُ اللهُ البركةَ من كسبهم، والثانيةُ يُسَلِّط اللهُ تعالى عليهم
سلطاناً ظالما، والثالثة يخرجون من الدنيا بغير إيمانٍ ".
)وَ ( المقالة الثالثة )عَنْ أَبِىْ بَكْرٍ الصديق رضي الله عنه: مَنْ دَخَلَ القَبْرَ
بِلاَ زَادٍ ( أي من العمل الصالح )فَكَأَنَّمَا رَكِبَ البَحْرَ بِلاَ سَفِيْنَةٍ ( أي فيغرق غرقا
لا خلاص له إلاّ بمن ينقذه، كما قال صلى الله عليه وسلم: "ما الميّتُ في
قبرهِ إلاّ كالغَريق المغوِّثِ " أي الطالب لأن يغاث.
)وَ ( المقالة الرابعة )عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه( نقل عن الشيخ عبد المعطي
السملاوي: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجبريل عليه السلام: صِفْ لِيْ
حَسَنَاتِ عُمَرَ، فقال: لوكانت البحارُ مِدادًا والشجرُ أقلاماً لَما خصرْتُها،
فقال: صِفْ لِيْ حَسَنَاتِ أبى بكر، فقال: عمرُ حسنةٌ من حسنات أبى بكر".
)عِزُّ الدُنْيَا بِالمَالِ وَعِزُّ الآخِرَةِ بِصَالِحِ الأَعْمَالِ ( أي فلا تتغوى أمور الدنيا ولا
لصلح إلاّ بالأموال ولا تتغوى أمور الآخرة ولا تصلح إلاّ بالأعمال الصالحة.
)وَ ( المقالة الخامسة )عَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه: هَمُّ الدُنيَا ظُلْمَةٌ فِىْ
القَلْبِ، وَهَمُّ الآخِرَةِ نوُْرٌ فِىْ القَلْبِ ( أي الحزن فى الأمور المتعلقة بالدنيا صار
مظل ما فى القلب، والحزنُ فى الأمور المتعلقة بالآخرة صار منوِّرًا للقلب.
اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همّنا ولا مَبْلغَ علمنا.
)وَ ( المقالة السادسة )عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه( وكرم وجهه )مَنْ كَانَ فِىْ
طَلَبِ العِلْمِ كَانَتْ الجَنَّةُ فِىْ طَلَبِهِ، وَمَ نْ كَانَ فِىْ طَلَبِ المَعْصِيَةِ كَانَتْ النَارُ فِىْ
طَلَبِهِ ( أي من اشتغل فى العلم النافع الذى لا يجوز للبالغ العاقل جهله كان
فى الحقيقة طالبا للجنة ولرضا الله تعالى، ومن كان مريدا للمعصية كان فى
الحقيقة طالبا للنار ولسخط الله تعالى.
)وَ ( المقالة السابعة )عَنْ يَحْيَى بْنِ مُعَاذٍ رضي الله عنه: مَا عَصَى اللهَ كَرِيْمٌ (
أي حميد الفعال، وهو من يكرم نفسه بالتقوى وبالإحتراس عن المعاصى )وَلاَ
آثرَ الدُنْيَا( أي لا قدّمها ولا فضّلها )عَلَى الآخِرَةِ حَكِيْمٌ ( أي مصيبٌ فى
أفعاله، وهو من يمنع نفسه من مخالفة عقله السليم.
)وَ ( المقالة الثامنة )عَنِ الأَعْمَشِ ( اسمه سايمان بن مهران الكوفي )رضي
الله عنه: مَنْ كَانَ رَأْسُ مَالِهِ التَقْوَى كَلَّتْ الأَلسُنُ عَنْ وَصْفِ رِبحِ دِيْنِهِ، وَمَنْ
كَانَ رَأْسُ مَالِهِ الدُنْيَا كَلَّتْ الأَلْسُنُ عَنْ وَصْ فِ خُسْرَانِ دِيْنِهِ ( والمعنى من
تمسك على التقوى بامتثال أوامر الله تعالى واجتناب المعاصى بأن أسّس
أفعاله بموافقات الشرع فله حسنات كثيرة لا تحصى، ومن تمسك على أمور
مخالفات للشرع فله سيئاتٌ كثيرة عجزت الألسن عن ذكر ذلك بالعدد.
)وَ ( المقالة التاسعة )عَنْ سُفْيَانَ الثَوْرِي رضي الله عنه( وهو شيخ الإمام
مالك )كُلُّ مَعْصِيَةٍ ( ناشئة )عَنْ شَهْوَة ( أي اشتياق النفس إلى شيء )فَإِنَّهُ يرُْجَي
غُفْرَانهَُا( أي المعصية )وَكُلُّ مَعْصِيَةٍ ( نشأت )عَنْ كِبْرٍ ( أي دعوى الفضل )فَإِنَّهُ
لاَ يرُْجَي غُفْرَانهَُ ا لأَنَّ مَعْصِيَةَ إِبْلِيْسَ كَانَ أَصْلُهَا( أي المعصية )مِنَ الكِبْرِ ( يزعم
أنه خيرٌ من سيدنا آدم )وَ ( لأنّ )زَلَّة ( سيدنا )آدَم( عليه السلامَ )كَانَ أَصْلُهَا
مِنَ الشَهْوَة ( بسبب اشتياقه إلى ذ وق ثمرة شجرة الشهوة المنهي عنها.
)وَ ( المقالة العاشرة )عَنْ بَعْضِ الزُهَّادِ ( وهم الذين احتقروا الدنيا ولم
يبالوا بها، بل أخذوا منها قدر ضرورتهم )مَنْ أَذْنَبَ ذَنْبًا( أي تحمّله )وَهُوَ
يَضْحَكُ ( أي والحال أنه يفرح بتحمّله )فَإِنَّ اللهَ يُدْخِلُهُ النَارَ وَهُوَ يَبْكِى( لأن
حقه أن يندم ويستغفر الله تعالى لذلك )وَمَنْ أَطَاعَ وَهُوَ يَبْكِى( حياءً من الله
تعالى وخوفا منه تعالى على تقصيره فى تلك الطاعة )فَإِنَّ اللهَ يُدْخِلُهُ الجَنَّةَ
وَهُوَ يَضْحَكُ ( أي يفرح غاية الفرح لحصول مطلوبه وهو عفو الله تعالى.
)وَ ( المقالة الحادية عشرة )عَنْ بَعْضِ الحُكَمَاءِ ( أي الأولياء: )لاَ تَحْقِرُوْا
الذُنوُْبَ الصِّغَارَ ( أي لا تعُدّوها صِغارا )فَإِنهََّا لاَ تَتَشَعَّبُ مِنْهَا الذُنوُْبُ الكِبَارُ (
وأيضا ربما يكون غضب الله تعالى فى تلك الصغار.
)وَ ( المقالة الثانية عشرة )عن النبي صلى الله عليه وسلم: لاَ صَغِيْرَةَ مَعَ
الإِصْرَارِ ( فإنها بالمواظبة عليها تَعَظّم فتصير كبيرةً، وأيضا أنها على عزم
استدامتها تصير كبيرةً فإن نية المرء فى المعاصى كانت معصية )وَلاَ كَبِيْرَةَ مَعَ
الإِسْتِغْفَارِ ( أي التوبة بشروطها فإن التوبة تمحو أثر الخطيئة وإن كانت كبيرة.
روى هذا الحديث الديلمي عن ابن عباس، لكن بتقديم الجملة الأخيرة عن
الأولى
)وَ ( المقالة الثالثة عشرة )قِيْلَ : هَمُّ العَارِفِ الثنَاء ( أي مراد العارف بالله
الثناء على الله تعال بجميل صفاته )وَهَمُّ الزَاهِدِ الدُعَاء ( أي مراد المعْرِض عن
الزائد قدر الحاجة من الدنيا بقلبه الدعاء، وهو التضرع إلى الله تعالى بسؤال
ما عنده من الخير )لأَنَّ هَمَّ العَارِفِ رَبُّه ( لا الثواب ولا الجنة )وَهَمَّ الزَاهِدِ
نَفْسُه ( أي منفعة نفسه من الثواب والجنة ففرق بين من همته الحور ومن همته
رفع الستور.
)وَ ( المقالة الرابعة عشرة )عَنْ بَعْضِ الحُكَمَاءِ ( أي أطبّاء القلوب، وهم
الأولياء )مَنْ تَوَهَّمَ أَنَّ لَهُ وَلِيًّا أَوْلَى مِنَ اللهِ قَلَّتْ مَعْرِفَتُهُ بِاللهِ ( والمعنى من ظن
أن له ناصرا أقرب من الله وأكثر نصرةً منه فإنه لم يعرف الله تعالى )وَمَنْ تَ وهَّمَ
أَنَّ لَهُ عَدُوًّا أَعْدَى مِنْ نَفْسِهِ قَلَّتْ مَعْرِفَتُهُ بِنَفْسِهِ ( أي ومن ظن أن له عدوّا
أقوى من نفسه الأمارة واللوّامة فإنه لم يعرف نفسه.
)وَ ( المقالة الخامسة عشرة )عَنْ أَبِى بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ رضي الله عنه فِىْ قَوْلِهِ
تَعَاَلى: "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ " ]الروم: 34 [ قال( أي أبو بكر فى
تفسير ذلك )"البَرّ هُوَ اللِسَانُ، وَالبَحْرُ هُوَ القَلْبُ؛ فَإِذَا فَسَدَ اللِّسَانُ ( بالسبّ
مثلا )بَكَتْ عَلَيْهِ النُفُوْسُ،( أي الأشخاص من بنى آدم )وَإِذَا فَسَدَ القَلْبُ (
بالرياء مثلا )بَكَتْ عَلَيْهِ الَملاَئِكَة ".( قيل: الحكمة فى أن اللسان واحد تنبيه
للعبد فى أنه لا ينبغى أن يتكلم إلاّ فيما يهمّه وفى خيرٍ . وقيل: لأنّ اللسان
الذاكر بكل لغات كان ذكره للمذكور الواحد وهو الله تعالى، وكذلك القلب
بخلاف نحو العين والأذن فإنه يتعدّ د، قيل لأن الحاجة إلى السمع والبصر
أكثر من الحاجة إلى الكلام اه. وإنما شبّه القلب بالبحر لشدة عُمْقه واتساعه
اه.
)وَ ( المقالة السادسة عشرة )قِيْلَ : "إِنَّ الشَهْوَةَ تُصَيِّرُ المُلُوْكَ عَبِيْدًا( فإن
من أحب شيئا فهو عبده )وَالصَبْرَ يُصَيِّرُ العَبِيْدَ مُلُوْكًا( لأن العبد بصبره ينال ما
يريد )ألاَ تَرَى( أي ألا يصل علمك )إِلَى( قصّة سيدنا الكريم ابن الكريم ابن
الكريم لبن الكريم )يوُْسُفَ ( الصديق ابن يعقوب الصبور ابن إسحاق الحليم
ابن إبراهيم الخليل الأوّاه هليهم السلام )وَزُلَيْخَا؟ "( فإنها أحبت سيدنا يوسف
نعاية الحب وهو يصبر على مكرها وأذيّتها.
)وَ ( المقالة السابعة عشرة )قِيْلَ : "طُوْبَى( أي الخير الكثير )لِمَنْ كَانَ عَقْلُهُ
أَمِيْرًا( بأن يقتدي بمراد عقله الكامل )وَهَوَاه ( أي ميلان نفسه إلى ما لاتشتهيه
من غير داعية الشرع )أَسِيْ رًا( أي ممنوعا من ذلك )وَوَيْل ( أي هلاكٌ شديدٌ
)لِمَنْ كَانَ هَوَاهُ أَمِيْرًا( بأن أرسلها إلى مشتهياتها )وَعَقْلُهُ أَسِيْرًا"( أي ممنوعا
من نحو التفكر فى نعم الله تعالى وفى عظمته تعالى.
)وَ ( المقالة الثامنة عشرة )قِيْلَ : "مَنْ تَرَكَ الذُنوُْبَ رَقَّ قَلْبُه ( فيقبل
النصيحة ويخشع لها )وَمَنْ تَرَكَ الحَرَام ( فى المطعوم والملبوس وغيرهما
)وَأَكَلَ الحَلاَلَ صَفَّتْ فِكْرَتُه "( على مصنوعات الله تعالى الدالة على إحياء الله
تعالى الخلق بعد الموت وعلى وحدته تعالى وقدرته وعلمه، وذلك بأن تأمّل
بفكره وتدبّر بعقله أن الله تعالى خلقه من نطفة فى الرحم فجعلها علقةً ثم
مضغةً ثم خلق منها لحما وعظما وعروقا وأعصابا وشقّ لها سمعا وبصرا
وأعضاءً ثم سهّل الخروج للجنين من بطن أمه وألهمه ارتضاغ الثدي وجعله فى
أول الأمر بلا أسنان ثم أنبت له الأسنانَ ثم أسقطها وأزالها عند سبع سنين ثم
أعادها مرة أخرى وجعل الله تعالى أحوال العبد متغيرة من صِغر إلى كبر ومن
شباب إلى هرم ومن صحة إلى سقم وجعل العبد كل يوم ينام ويستيقظ،
وكذلك شعوره وأظفاره كلما سقط منها رجع إلى ما كان، وكذلك الليل والنهار
يتناوبان كلما ذهب أحدهما جاء الآخر، وكذلك الشمس والقمر والنجوم
والسحاب والمطر كلها تجىء وتذهب، وكذلك القمر ينمحق كل شهر ثم
يتكامل ثم ينمحق، وكذلك الكسوف للشمس والقمر حيث يذهب الضوء
منها ثم يعود، وكذلك الأرض تكون يابسة ثم ينُْبت اللهُ فيها النبات ثم يذهب
منها فتعود يابسة ثم تنبت مرة بعد أخرى، فالذى قدَر على ذلك كله قادرٌ
على إحياء الموتى بعد فنائهم فى الأرض، فعلى العبد أن يُكْثر الفكرَ فى ذلك
حتى يقوى إيمانه بالبعث بعد الموت ويعلم أن الله يبعثه ويجازيه بأعماله، فعلى
قدر قوة إيمانه بذلك يجتهد فى الطاعات واجتناب المخالفات للشرع.
)وَ ( المقالة التاسعة عشرة )أُوْحِيَ إِلَى بَعْضِ الأَنْبِيَاءِ : "أَطِعْنِ يِْْ فِيْمَا
أَمَرْتُكَ وَلاَ تَعْصِنِىْ فِيْمَا نَصَحْتُكَ "( أي فيما دعوتك إلىما فيه الصلاح ونهيتك
عما فيه الفساد.
)وَ ( المقالة العشرون )قِيْلَ : "إِكْمَالُ العَقْلِ اِتِّبَاعُ رِضْوَانِ اللهِ تَعَالَى
وَاجْتِنَابُ سَخَطِهِ "( أي فخلاف ذلك جنون.
)وَ ( المقالة الحادية والعشرون )قِيْلَ : "لاَ غُرْبَةَ للِفْاضِلِ وَلاَ وَطَنَ للِجْاهِلِ "(
أي المتصف بالعلم والعمل كان مكرَما معَظَّما عند الناس فى أيّ بلد كان،
فكان كل بلد عنده وطنا ولوكان غريبا، والجاهل بخلاف ذلك.
)وَ ( المقالة الثانية والعشرون )قيل: "مَنْ كَانَ بِالطَاعَةِ عِنْدَ اللهِ قَرِيْبًا كَانَ
بَيْنَ النَاسِ غَرِيْبًا"( أي من استأنس باشتغال طاعة الله تعالى صار مُسْتَوْحِشًا
عن الناس.
)وَ ( المقالة الثالثة والعشرون )قِيْلَ : "حَرَكَةُ الطَاعَةِ دَلِيْلُ المَعْرِفَةِ، كَمَا أَنَّ
حَرَكَةَ الجِسْمِ دَلِيْلُ الحَيَاة "( والمعنى أن إتيان العبد الطاعة لله تعالى علامة
على معرفته لله، فإذا كثرت الطاعة كثرت المعرفة، وإذا قلتْ قلّتْ، لأنّ
الظاهر مرآة الباطن.
)وَ ( المقالة الرابعة والعشرون )قَالَ النَبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "أَصْلُ
جَمِيْعِ الخَطَايَا حُبُّ الدُنْيَا( وهي ما زاد عن الحاجة )وَأَصْلُ جَمِيْعِ الفِتَنِ مَنْعُ
العُشْرِ وَالزَكَاة "( وهذا من عطف العام على الخاص، لأن العشر خاص بالزروع
والثمار، والزكاة شاملة لذلك ولزكاة النقد واأنعام ولزكاة البدن.
)وَ ( المقالة الخامسة والعشرون )قِيْلَ : المُقِرُّ بِالتَقْصِ يْْرِ ( أي بالعجز عن
الطاعة )أبَدًا مَحْمُوْدٌ، وَالإِقْرَارُ بِالتَقْصِيْرِ عَلاَمَةُ القَبُوْلِ ( لأنه إشارة إلى عدم
العجب والكبر.
)وَ ( المقالة السادسة والعشرون )قِيْل : كُفْرَانُ النِعْمَةِ لُؤْم ( أي عدم شكر
النعمة دليل على دناءة النفس )وَصُحْبَةُ الأَحْمَقِ ( وهي واضع الشيء فى غير
محله مع العلم بقبحه )شُؤْم ( أي غير مبارك، كما روى الطبراني عن بشير أنه
صلى الله عليه وسلم قال: "اصْرِمِ الأَحْمَقَ " بكسر الهمزة والراء أي اقطع ودّه،
والمعنى لا تصاحبه لقبح حالته ولأن الطباع سرّاقة وقد يسرق طبعك منه.
وروى الترمذي عن ابن عمر أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "خَصْلَتانِ مَنْ
كانَتا فيهِ كَتَبَهُ الله شاكِراً صابِرًا، ومَنْ لَمْ تَكُونَا فِيهِ لَمْ يَكْتُبْهُ اللهُ شَاكِراً ولا
صَابِرًا: مَنْ نَظَرَ في دِينِهِ إلى مَنْ هُوَ فَوْقَهُ فاقْتَدَى بِهِ ونَظَرَ في دُنْياهُ إلى مَنْ
هُوَ دُونَهُ فَحَمِدَ اللهَ على ما فَضَّلَهُ بِهِ عَلَيْهِ كَتَبَهُ الله شاكِراً صابِرًا، ومَنْ نَظَرَ في
دِينِهِ إلى مَنْ هُوَ دُونَهُ وَنَظَرَ في دُنْياهُ إلى مَنْ هُوَ فَوْقَهُ فَأسِفَ عَلى ما فاتَهُ لَمْ
يَكْتُبْهُ الله شاكِراً ولا صابِرًا" اه. هذا الحديث جامع لجميع أنواع الخير.
)وَ ( المقالة السابعة والعشرون )قال الشاعر:( من بحر الكامل المجزوّ :
)يَا مَنْ بِدُنْيَاهُ اشْتَغَلْ ... قَدْ غَرَّهُ طُوْلُ الأَمَل
أَوَ لَمْ يَزَلْ فِىْ غَفْلَةٍ ... حَتَّى دَنَا مِنْهُ الأَجَل
المَوْتُ يَأتِيْ بَغْتَةً ... وَالقَبْرُ صُنْدُوقُْ العَمَل
إِصْبِرْ عَلى أَهْوَالِهَا ... لاََ موْتَ إِلاَّ بِالأَجَل(
وروى الديلمي أنّه صلى الله عليه وسلم قال: "تَرْكُ الدُّنْيا أمَرُّ مِنَ الصَّبْرِ
وأشَدُّ مِنْ حَطْمِ السَّيُوفِ في سَبِيلِ الله، وَلاَ يَتْرُكُهَا أَحَدٌ إِلاَّ أَعْطَاهُ اللهُ مِثْلَ مَا
يعُْطِى الشُهَدَاءَ، وَتَرْكُهَا قِلَّةُ الأَكْلِ وَالشَبْعِ وَبغُْضُ الثَنَاءِ مِ نَ النَاسِ، فإنه من
أحب الثناء من الناس أحب الدنيا ونعيمها ومن سره النعيم كل النعيم فليدع
الدنيا والثناء من الناس". وروى ابن ماجه أنه صلى الله عليه وسلم قال: "من
كانت نِيَّتُهُ الآخِرَةَ جَمَعَ اللهُ شَمْلَهُ وَجَعَلَ غِنَاهُ في قَلْبِهِ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا رَاغِمَةً، وَمَنْ
كانت نِيَّتُهُ الدُّنْيَا فَرَّقَ اللهُ عَلَيْهِ أَمْرَهُ وَجَعَلَ فَقْرَهُ بين عَيْنَيْهِ ولم يَأْتِهِ مِنَ الدُّ نْيَا
إِلاَّ مَا كُتِبَ لَه ".
)وَ ( المقالة الثامنة والعشرون )عَنْ أبِى بكْرٍ ( دُلَفِ بنِ جَحْدَرٍ )الشِ بْلِيِّ
رَحِمَهُ الله( بغدادي المولد والمنشأ صحب الجنيد ومن فى عصره مالكي
المذهب عاش سبعا وثمانين سنة ومات سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة وقبره
ببغداد )وَهُوَ مِنْ عُظَمَاءِ العَارِفِينَ ( بالله تعالى )قَالَ ( فى مناجاته إلهي )إنّي
أُحِبُّ أَنَْ أَهَبَ لَكَ جَمِ يْعَ حَسَنَاتِي مَعَ فَقْرِي( أي احتياجي للحسنات
)وَضُعْفِي( أي عجزي عن إكثار العبادات )فَكَيْفَ لاَ تُحِبُّ سَيِّدِيْ ( بحذف
حرف النداء )أَنْ تَهَبَ لِيْ ( أي تسمح لي )جَمِيْعَ سَيِّئَاتي مَعَ غِنَاكَ مَوْلاَيَ
عَنِّي( أي عذابي فإنّ سيئاتي لا تضرك وحسناتي لا تنفعك، وقد أجازني بعض
الفضلاء أن أقرأ بعد صلاة الجمعة سبع مرات هذه الأبيات الثلاثة من بحر
الوافر:
إلَهِي لَسْتُ لِلْفِرْدَوْسِ أَهْلاً ... وَلاَ أقوَى عَلى نارِ الجَحِيْم
فَهَبْ لِيْ تَوْبَةً وَاغْفِرْ ذُنوُْبي ... فَإِنَّكَ غَافِرُ الذَنْبِ العَظِيْمِ
وَعَامِلْنِيْ مُعًامَلَةَ الكَرِيْمِ ... وَتُثْبِ تُنِي عَلَى النَهْجِ القَوِيْمِ
)حكاية( قدم الشبلي على ابن مجاهد فعانقه ابن مجاهد وقبل بين عينيه
فسئل عن ذلك، فقال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فى النوم وقد أقبل
الشبلي، فقام النبي صلى الله عليه وسلم إليه وقبل بين عينيه، فقلت: يا رسول
الله أتفعل هذا بالشبلي؟ قال نعم، إنه لم يصل فريضة إلا وهو يقرأ خلفها
}لَقَدْ جَاءكَُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ { إلى آخر الآيتين ويقول: صلى الله عليك يا
محمد، فسألت الشبلي عما يقوله بعد الصلاة فذكر مثله.
)وَ ( المقالة التاسعة والعشرون )قَالَ ( أي الشبلي )إذَا أَرَدْتَ أَنْ تَسِتَأنِسَ
باللهِ ( أي يسكن قلبك مع الله ولا ينفر منه )فَاسْتَوْحِشْ مِنْ نَفْسِكَ ( أي فاقطع
مودّات نفسك. سئل الشبلي بعد موته عن حاله فى المنام، فقال: قال الله لي:
يا أبا بكر أتدرى بمَ غفرتُ لك؟، قلت بصالح عملي، قال: لا. قلت:
بإخلاص عبوديتي، قال: لا. قلت: بحجي وصومي وصلاتي، قال: لا. قلت
بهجرتي للصالحين ولطلب العلم. قال: لا. قلت: إلهي فبِمَ؟، فقال تعالى:
أتذكر حين كنت تمشى فى درب بغداد فوجدت هرة صغيرة قد أضعفها البرد
وهي تنزوى من شدته فأخذتها رحمة لها وأدخلتها فى فَرْوٍ كان عليك وقايةً
لها، فقلت: نعم. فقال تعالى: برحمتك لتلك الهرة رحمتك.
)وَ ( المقالة الثلاثون )قَالَ ( أي الشبلي )لَوْ ذُقْتُمْ حَلاَوَةَ الوَصْلَةِ ( أي
القُرْب مع الله تعالى )لَعَرَفْتُمْ مَرَارَةَ القَطِيْعَةِ ( أي البُعْد عنه تعالى، فإنه عذاب
عظيم عند أهل الله تعالى. وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم: "اللهمَّ ارْزُقْنِي
لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ الكَرِيْمِ وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ ".
)4( باب الثلاثي
وفيه خمس وخمسون موعظة، سبعة أحبار والباقى آثار.
المقالة الأولى )روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قَالَ : مَنْ أَصْبَحَ (
أي دخل فى وقت الصباح )وَهُوَ يَشْكُوْ ( إلى الناس )ضِيْقَ المَعَاشِ فَكَأنمَّا
يَشْكُوْ رَبَّه ( والشكاية لا تليق إلا إلى الله، فإنها من جملة الدعاء. أما الشكاية
إلى الناس فهي من علامات عدم الرضا بقسمة الله تعالى له، كما روي عن عبد
الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَلاَ أُعَلِّمُكُمْ
الكَلِمَاتِ التي تَكَلَّمَ بِهَا مُوْسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ حِيْنَ جَاوَزَ البَحْرَ بِبَنِيْ إِسْرَائيلَ؟ "،
فَقُلْنَا بَلَى يَا رَسُوْلَ اللهِ، قَالَ : ))قولوا اللهمّ لَكَ الحَمْدُ وَإِلَيْكَ المُشْتَكَى وَأَنْتَ
المُسْتَعَانُ وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيْمِ ((. قال الأعمش فما تركتهن
منذ سمعتهن من شقيقٍ الأسدي الكوفي، وهو عن عبد الله بن مسعود رضي
الله عنه. قال الأعمش أتاني آتٍ فى المنام، فقال: يا سليمان زد فى هذه
الكلمات "وَنَسْتَعِيْنُكَ عَلَى فَسَادٍ فِيْنَا، وَنَسْأَلُكَ صَلاَحَ أَمْرِنَا كُلِّهِ ". )وَمَنْ
أَصْبَحَ ( أي دخل فى الصباح )لأموْرِ الدُنْيَا حَزِيْنًا فَقَدْ أَصْبَحَ سَاخِطًا عَلىَ اللهِ (
والمعنى من حزن على أمور الدنيا فقد غضب على الله، لأنه لم يرض بقضاء
الله ولم يصبر على بلائه ولم يؤمن بقدره لأن مل ما وقع فى الدنيا فهو بقضاء
الله تعالى وقدره )وَمَنْ تَوَاضَعَ لِغَنِيٍّ لِغِنَاهُ فَقَدْ ذَهَبَ ثلُُثَا دِيْنِهِ ( أي لأن الشريعة
أن يكون تعظيم الناس لأجل صلاحه ولأجل علمه دون التعظيم لأجل ماله،
فإن من أكرم المال أهان العلم والصلاح.
قال سيدي عبد القادر الجيلاني قدّس الله سرّه: لا بدّ لكل مؤمن فى
سائر أحواله من ثلاثة أشياء أمر يمتثله ونهي يجتنبه وقدر يرضى به، فأقل
حالات المؤمن لا يخلو فيها من أحد هذه الأشياء الثلاثة، فينبغى له أن يلزم
همها قلبه ويحدّث بها نفسه ويأخذ الجوارح بها فى سائر أحواله اه.
)و( المقالة الثانية )عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِدِّيْقِ رَضِيَ اللهُ عَنْه : ثَلاَثٌ لاَ تُدْرَكُ
بِثَلاَثٍ ( أي ثلاث خصال لا تطلب بثلاثة أشياء )الغِ نَى بِالمُنَى( بصم الميم
جمع منية، أي فلا يحصل الغنى بالأمانى بل بالقسمة من الله تعالى )وَالشَبَابً
بِالخِضَابِ ( فلا يحصل الشباب بخضاب الشعر بالحِنّاء ونحوه )وَالصِحَّةُ
بِالأَدْوِيَةِ ( فلا تحصل الصحة بنفس الأدوية با بشفاء الله تعالى.
)و( المقالة الثالثة )عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْه : حُسْنُ التَوَدُّدِ ( أي المحبة
)إِلَى النَاسِ نِصْفُ العَقْ ل( كما روى ابن حبان والطبراني والبيهقى عن جابر بن
عبد الله أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ))مُدَارَاةُ النَاسِ صَدَقَة (( أي
ملاطفة الناس بالقول والفعل يثاب هليها ثواب الصدقة، وكان من مدارته صلى
الله عليه وسلم أنه لا يذم طعاما ولا ينهر خادما ولا يضرب امرأة. والمداراة
هي ترك الدنيا لأجل الدين عكس المداهنة )وَحُسْنُ السُؤَالِ ( أي للعلماء
)نِصْفُ العِلْمِ ( لأن العلم يحصل به )وَحُسْنُ التَدْبِيْرِ ( أي إجراء الأمور على
علم العواقب )نِصْفُ المَعِيْشَةِ ( وهي مكسب الإنسان الذى يعيش بسببه.
)و( المقالة الرابعة )عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْه : "مَنْ تَرَكَ الدُنْيَا( بأن أقلّ
الشبع والأكل وأبغض الثناء من الناس )أَحَبَّهُ اللهُ تَعَالَى( لأنه ترك الرياء
والتفاخر )وَمَنْ تَرَكَ الذُنوُْبَ أَحَبَّهُ المَلاَئِكَة ( لأنه لا يتعب الكتبة الذين يكتبون
السيئات )وَمَنْ حَسَمَ الطَمَعَ عَنِ المُسْلِمِيْنَ ( أي قطعه عنهم )أَحَبَّهُ
المُسْل مُوْنَ "( لأنه لا يكدر قلوبهم.
)و( المقالة الخامسة )عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْه ( وكرم وجهه )إنَّ مِنْ نَعِيْمِ
الدُنْيَا يَكْفِيْكَ الإِسْلاَمُ نِعْمَة ( فإن أعظم نعم الله للعبد إخراجه من العدم إلى
الوجود، وإخراجه من ظلمات الكفر إلى نور الإسلام )وَإنَّ مِنَ الشُغْلِ يَكْفِيْكَ
الطَاعَةُ شُغْلا ( فطاعة الله تعالى أعظم الإستغال )وَإِنَّ مِنَ العِبْرَة ( أي العِظة
)يَكْفِيْكَ المَوْتُ عِبْرَة ( فإن الموت أكبر المواعظ للناس.
)و( المقالة السادسة )عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُوْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه : كَمْ مِنْ
مُسْتَدْرَجٍ ( أي مأخوذ قليلا قليلا )بِالنِعْمَةِ ( بإكثارها )عَلَيْهِ، وكَمْ مِنْ مَفْتُوْنٍ ( أي
ممتحَن بالبلاء )بِالثَنَاءِ ( أي بكثرة ثناء الناس )عَلَيْهِ، وكَمْ مِنْ مَغْرُوْرٍ ( أي
مطمئن قلبه فى الدنيا وغافل عن الآخرة )بِالتَسَتُّرِ ( أي بستر الله عيوبه )عَلَيْهِ (.
)و( المقالة السابعة )عَنْ داود النبي( )قال: أوحي فى الزبور،( )حق على
العاقل( )أن لا يشتغل إلا بثلاث( )تزود لمعاد،( )ومؤونة لمعاش،( )وطلب لذة
بحلال(.
وعن أبي هريرة أنه قال: قال النبي: ثلاث منجيات، وثلاث مهلكات،
وثلاث درجات وثلاث كفارات، أما المنجيات فخشية الله تعالى فى السر
والعلانية، والقصد فى الفقر والغنى، والعدل فى الرضاء والغضب، وأما
المهلكات فشح شديد، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه. وأما الدرجات
فإفشاء السلام، وإطعام الطعام، والصلاة بالليل والناس نيام. وأما الكفارات
فإسباغ الوضوء فى السبرات ونقل الأقدام إلى الجماعات، وانتظار الصلاة بعد
الصلاة.
وقال جبريل: يا محمد عش ما شئت فإنك ميت، واحبب من شئت فإنك
مفا رقها، واعمل ما شئت فإنك مجزي به.
قال النبي: ثلاث نفر يظلهم الله تحت ظل عرش يوم لا ظل إلا ظله:
المتوضىء فى المكاره والماشي إلى المساجد فى الظلم، ومطعم الجائع.
وقيل لإبراهيم لأي شيء اتخذك الله خليلا؟ قال بثلاثة أشياء: اخترت أمر الله
تعالى على أمر غيره، وما إهتممت بما تكفل الله لي، وما تعشيت وما تغديت
إلا مع الضيف.
وعن بعض الحكماء: ثلاثة أشياء تفرج الغُصَص. ذكر الله تعالى، ولقاء
أوليائه، وكلام الحكماء.
وعن الحسن البصري من لا أدب له لا علم له، ومن لا صبرله لا دين له،
ومن لا ورع له لا زلفى له.
وروي أن رجلا خرج من بني إسرائيل إلى طلب العلم فبلغ ذلك نبيهم
فبعث إليه )النبي( فأتاه )الرجل( فقال له: يا فتى، أعظك بثلاث خصال فيها
علم الأولين والأخرين، خف الله فى السر والعلانية، وامسك لسانك عن
الخلق لا تذكرهم إلا بخير، وانظر )حبزك( الذي تأكله حتى يكون من
الحلال. فامتنع الفتى عن الخروج.
وروي أن رجلا من بني إسرائيل جمع ثلاثين تابوتا من العلم ولم ينتقع
بعلمه، فأوحى الله تعالى إلى نبيهم أن قل لهذا الجامع لو جمعت كثيرا من
العلم لم ينفعك إلا أن تعمل بثلاثة أشياء: لا تحب الدنيا فليس بدار
المؤمنين، ولا تصاحب الشيطان فليس برفيق المؤمنين، ولا تؤذ أحدا فليس
بحرفة المؤمنين.
وعن أبي سليمان الداراني أنه قال فى المناجاة: إلهي، لئن طالبتني بذنبي
لأطلبنك بعفوك ولئن طالبتني ببخلي لأطلبنك بسخائك، ولئن أدخلتني النار
لأخبرت أهل النار بأني أحبك.
وقيل: أسعد الناس من له قلب عالم، وبدن صابر، وقناعة بما فى اليد.
وعن إبراهيم النخعي إنما هلك من هلك قبلكم بثلاث خصال: بفضول
الكلام، وفضول الطعام، وفضول المنام.
وعن يحيى بن معاذ الرازي: طوبى لمن ترك الدنيا قبل أن تتركه، وبني قبره
قبل أن يدخله، وأرضى ربه قبل أن يلقاه.
وعن علي: من لم يكن عنده سنة الله وسنة رسوله وسنة أوليائه فليس فى
يده شيء. قيل له: ما سنة الله؟ قال: كتمان السر. وقيل: ما سنة الرسول؟
قال: إحتمال الأذى عن الناس. وكانوا من قبلنا يتواصون بثلاث خصال
ويتكاتبون بها: من عمل لآخرته كفاه الله أمر دينه ودنياه. ومن أحسن سريرته
أحسن الله علانياته، ومن أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس.
وعن علي: كن عند الله خير الناس، وكن عند النفس شر الناس، وكن عند
الناس رجلا من الناس.
]قيل[ أوحى الله تعالى إلى عزير النبي قال: يا عزير، إذا أذنبت ذنبا
صغيرا فلا تنظر إلى صغره وانظر إلى من الذي أذنبت له، وإذا أصابك خير
يسير فلا تنظر إلى صغره وانظر إلى من الذي رزقك، وإذا أصابك بلية فلا
تشكوني إلى خلقي كما لا أشكوك إلى ملائكتي إذا صعدت إليّ مساويك.
وعن حاتم الأصم: ما من صباح إلا ويقول الشيطان لي ما تأكل؟ وما تلبس؟
وأين تسكن؟ فأقول له: آكل الموت، وألبس الكفن، وأسكن القبر.
وعن النبي: من خرج من ظل المعصية إلى عز الطاعة أغناه الله تعالى من غير
مال، وأيده من غير جند، وأعزه من غير عشيرة.
وروي أنه عليه السلام خرج ذات يوم على أصحابه فقال: كيف
أصبحتم؟ فقالوا: أصبحنا مؤمنين بالله. فقال: وما علامة إيمانكم؟ قالوا: نصبر
على البلاء. ونشكر على الرخاء، ونرضى بالقضاء. فقال عليه السلام: أنتم
مؤمنون حقا ورب الكعبة.
أوحى الله تعالى إلى بعض الأنبياء: من لقيني وهو يحبني أدخلته جنتي،
ومن لقيني وهو يخافني جنبته ناري، ومن لقيني وهو يستحي مني أنسيت
الحفظة ذنوبه.
وعن عبد الله بن مسعود: أد ما افترض الله عليك تكن أعبد الناس،
واجتنب محارم الله تكن أزهد الناس، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى
الناس.
وعن صالح المرقدي أنه مر ببعض الديار فقال: أين أهلك الأولون، وأين
عمارك الماضون، وأين سكانك الأقدمون؟ فهتف به هاتف: انقطعت أثارهم،
وبليت تحت التراب أجسامهم، وبقيت أعمالهم قلائد فى أعناقهم.
وعن علي: تَفَضّل على من شئت فأنت أميره، واسأل عمن شئت فأنت أسيره،
واستغن عمن شئت فإنك نظيره.
وعن يحيى بن معاذ )رحمة الله عليه(: ترك الدنيا كلها أخذها كلها، فمن
تركها كلها أخذها كلها، ومن أخذها كلها تركها كلها، فأخذها فى تركها وتركها
فى أخذها.
وعن إبراهيم بن الأدهم رحمه الله أنه قيل له: بم وجدت الزهد؟ قال:
بثلاثة أشياء: رأيت القبر موحشا وليس معي مؤنس، ورأيت طريقا طويلا وليس
معي زاد، ورأيت الجبار قاضيا وليس معي حجة.
وعن الشبلي رحمه الله )وهو من عظماء العارفين قال: إلهي! أحب أن
أهب لك جميع حسناتي مع فقري وضعفى، فكيف لا تحب سيدي أن تهب
لي جميع سيئاتي مع غناك مولاي عني! وقال: إذا أردت أن تستانس بالله
فاستوحش من نفسك. وقال: لو ذقتم حلاوة الوصلة لعرفتم مرارة القطيعة.
وعن سفيان الثوري رحمه الله أنه سئل عن الأنس بالله تعالى، ما هو؟ فقال: أن
لا تستأنس بكل وجه صبيح ولا بصوت طيب ولا بلسان فصيح.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: الزهد ثلاثة أحرف: زاي وهاء ودال،
فالزاي زاد للمعاد، والهاء هدى للدين، والدال دوام على الطاعة.
وقال فى موضع أخر: الزهد ثلاثة أحرف: الزاي ترك الزينة، والهاء ترك الهوى،
والدال ترك الدنيا.
وعن حامد اللفاف رحمه الله أنه قال أتاه رجل فقال له أوصني، فقال له:
اجعل لدينك غلافا كغلاف المصحف. قيل له: ما غلاف الدين؟ قال: ترك
الكلام إلا ما لا بد منه، وت رك الدنيا إلا ما لا بد منه، وترك مخالطة الناس إلا
ما لا بد منه. ثم اعلم أن أصل الزهد الإجتناب عن المحارم، كبيرها وصغيرها،
وأداء جميع الفرائض، يسيرها وعسيرها، وترك الدنيا على أهلها، قليلها
وكثيرها.
وعن لقمان الحكيم أنه قال لابنه: يا بني، إن الناس ثلاثة أثلاث: ثلث
لله، وثلث لنفسه، وثلث للدود. فأما ما هو لله )من المرء( فروحه، وما هو
لنفسه فعمله، وأما ما للدود فجسمه.
وعن علي كرم الله وجهه أنه قال: ثلاثة يزدن فى الحفظ ويذهبن البلغم:
السواك، والصوم، وقراءة القرآن.
وعن كعب الأخبار رضي الله عنه: الحصون للمؤمنين ثلاث: المسجد
حصن، و ذكر الله حصن، وقراءة القرآن حصن.
وعن بعض الحكماء أنه قال: ثلاث من كنز الله تعالى لا يعطيها الله إلا
من أحبه: الفقر، والمرض، والصبر.
وعن ابن عباس )رضي الله عنهما( حين سئل: ما خير الأيام؟ وما خير
الشهور؟ وما خير الأعمال؟ فقال: خير الأيام يوم الجمعة، وخير الشهور شهر
رمضان، وخير الأعمال الصلوات الخمس لوقتها. فمضى على ذلك ثلاثة أيام
فبلغ عليا رضي الله عنه أن ابن عباس )رضي الله عنهما( سئل عن ذلك
فأجاب بكذا فقال علي )رضي الله عنه(: لو سئل العلماء والحكماء والفقهاء
من المشرق إلى المغرب لما أجابوا بمثل ما أجاب به ابن عباس، إلا أني
أقول: خير الأعمال ما يقبل الله تعالى منك، وخير الشهور ما تتوب فيه إلى
الله توبة نصوحا، وخير الأيام ما تخرج فيه من الدنيا إلى الله تعالى مؤمنا بالله.
وقال شاعر:
أما ترى كيف يبلينا الجديدان • ونحن نلعب فى سر وإعلان
لا تركنن إلى الد نيا ونعمتها • فإن أوطانها ليست بأوطان
واعمل لنفسك من قبل الممات فلا • تغررك كثرة أصحاب وإخوان
وقيل: إذا أراد الله بعبد خيرا فقهه فى الدين، وزهد فى الدنيا، وبصره
بعييوب نفسه.
وعن رسول الله أنه قال: حبب إلي من دنياكم ثلاث: الطيب، والنساء،
وجعلت قرة عيني فى الصلاة، وكان معه أصحابه جلوسا فقال أبو بكر
الصديق )رضي الله عنه(: صدقت يا رسول الله، وحبب إلي من الدنيا ثلاث:
النظر إلى وجه رسول الله، وإنفاق مالي على رسول الله، وأن يكون ابنتي تحت
رسول الله. فقال عمر )رضي الله عنه(: صدقت يا أبا بكر، وحبب إلي من
الدنيا ثلاث: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والثوب الخلق. فقال
عثمان )رضي الله عنه(: صدقت يا عمر، وحبب إلي من الدنيا ثلاث: إشباع
الجيعان، وكسوة العريان، وتلاوة القرآن. فقال علي )رضي الله عنه(: صدقت
يا عثمان، وحبب إلي من الدنيا ثلاث: الخدمة للضيف، والصوم فى الصيف،
والضرب بالسيف. فبينما هم كذلك إذ جاء جبرائيل وقال: أرسلني الله تبارك
وتعالى لما سمع مقالتكم وأمرك أن تسألني عما أحب إن كنت من أهل الدنيا.
فقال: ما تحب إن كنت من أهل الدنيا؟ فقال: إرشاد الضالين، ومؤانسة
الغرباء القانتين، ومعاونة أهل العيال المعسرين. وقال جبرائيل: يحب رب العزة
جل جلاله من عباده ثلاث خصال: بذل الإستطاعة، والبكاء عند الندامة،
والصبر عند الفاقة.
وعن بعض الحكماء: من اعتصم بعقله )أي اعتمد( ضل، ومن استغنى
بماله قل، ومن عز بمخلوق ذل.
وعن بعض الحكماء: ثمرة المعرفة ثلاث خصال: الحياء من الله تعالى،
والحب فى الله، والأنس بالله.
وعن النبي عليه السلام أنه قال: المحبة أساس المعرفة، والعفة علامة
اليقين، ورأس اليقين التقوى والرضى بتقدير الله تعالى.
وعن سفيان بن عيينة )رضي الله تعالى( قال: من أحب الله أحب من أحبه
الله تعالى، ومن أحب من أحب الله تعالى أحب ما أحب فى الله تعالى، ومن
أحب ما أحب فى الله تعالى أحب أن لا يعرفه الناس.
وعن النبي صلاة والسلام أنه قال: صدق المحبة فى ثلاث خصال: أن
يختار كلام حبيبه على كلام غيره، ويختار مجالسة حبييه على مجالسة غيره،
ويختار رضى حبيبه على رضى غيره.
وعن وهب بن منبه اليماني )رضي الله عنه(: مكتوب فى التوراة الحريص
فقير وإن كان ملك الدنيا، والمطيع مطاع وإن كان مملوكا، والقانع غني وإن
كان جائعا.
وعن بعض الحكماء: من عرف الله لم يكن له مع الخلق لذة، ومن عرف
الدنيا لم يكن له فيها رغبة ومن عرف عدل الله تعالى لم يتقدم إليه الخصماء.
وعن ذي النون المصري: كل خائف هارب، وكل راغب طالب، وكل آنس
بالله مستوحش عن نفسه. وقال ]ذو النون[: العارف بالله تعالى أسير، وقلبه
بصير، وعمله لله كثير. وقال: العارف بالله تعالى وفى، وقلبه ذكي، وعمله لله
زكي.
وعن أبي سليمان الداراني أنه قال: أصل كل خير فى الدنيا والآخرة
الخوف من الله، ومفتاح الدنيا الشبع، ومفتاح الآخرة الجوع.
وقيل: العبادة حرفة، حانوتها الخلوة، ورأس مالها التقوى، وربحها الجنة.
قال مالك بن دينار: أحسن ثلاثا بثلاث حتى تكون من المؤمنين: الكبر
بالتواضع، والحرص بالقناعة، والحسد بالنصيحة.
باب الرباعي
روي عن رسول الله أنه قال لأبي ذر الغفاري رضي الله عنه: يا أبا ذر،
جدد السفينة فإن البحر عميق، وخد الزاد كاملا فإن السفر بعيد، وخفف
الحمل فإن العقبة كؤ ود، وأخلص العمل فإن الناقد بصير. وقال الشاعر:
فرض على الناس أن يتوبوا • لكن ترك الذنوب أوجب
والصبر فى النائبات صعب • لكن فوت الثواب أصعب
والدهر فى صرفه عجيب • لكن غفلة الناس أعجب
وكل ما قد يجي قريب • ولكن الموت من ذاك أقرب
وعن بعض الحكماء: أربعة حسن ولكن أربعة منها أحسن: الحياء من
الرجال حسن ولكنه من المرأة أحسن؛ والعدل من كل أحد حسن ولكنه من
الأمراء أحسن؛ والتوبة من الشيخ حسن ولكنها من الشباب أحسن؛ والجود
من الأغنياء حسن ولكنه من الفقراء أحسن.
وعن بعض الحكماء: أربعة قبيح لكن أربعة منها أقبح: الذنب من الشاب
قبيح ومن الشيخ أقبح؛ والإشتغال بالدنيا من الجاهل قبيح ومن العالم أقبح؛
والتكسل فى الطاعة من جميع الناس قبيح ومن العلماء والطلبة أقبح؛ والتكبر
من الأغنياء قبيح ومن الفقراء أقبح.
وقال النبي عليه السلام: الكواكب لأهل السماء أمانة، فإذا انتثرت كان
القضاء على أهل السماء؛ وأهل بيتي أمان لأمتي فإذا زال أهل بيتي كان
القضاء على أمتي؛ وأنا أمان لأصحابي فإذا ذهبت كان القضاء على أصحابي،
والجبال أمان لأهل الأرض فإذا ذهبت كان القضاء على أهل الأرض.
وعن أبي بكر الصديق أنه قال: أربعة تمامها بأربعة: تمام الصلاة بسجدتي
السهو، والصوم بصدقة الفطر، والحج بالفدية، والإيمان بالجهاد.
وعن عبد الله بن المبارك: من صلى كل يوم إثنتي عشرة ركعة فقد أدى
حق الصلاة، ومن صام كل شهر ثلاثة أيام فقد أدى حق الصيام. ومن قرأكل
يوم مائة آية فقد أدى حق القراءة، ومن تصدق فى جمعة بدرهم فقد أدى حق
الصدقة.
وقال عمر )رضي الله عنه(: البحور أربعة: الهوى بحر الذنوب، والنفس
بحر الشهوات، والموت بحر الأعمار، والقبر بحر الندامات.
وعن عثمان )رضي الله عنه(: وجدت حلاوة العبادة فى أربعة أشياء: أولها
فى أداء فرائض الله، والثاني فى اجتناب محارم الله، والثالث فى الأمر
بالمعروف ابتغاء ثواب الله، والرابع فى النهي عن المنكر اتقاء غضب الله.
وقال أيضا )رضي الله عنه(: أربعة ظاهرهن فضيلة وباطنهن فريضة: مخالطة
الصالحين فضيلة والإقتداء بهم فريضة؛ وتلاوة القرآن فضيلة والعمل به
فريضة وزيارة القبور فضيلة والإستعداد لها فريضة؛ وعيادة المريض فضيلة
واتخاذ الوصية منه فريضة.
وعن علي )رضي الله عنه( أنه قال: من اشتاق إلى الجنة سارع إلى
الخيرات، ومن أشفق من النار انتهى عن الشهوات، ومن تيقن بالموت
انهدمت عليه اللذات، ومن عرف الدنيا هانت عليه المصيبات.
وعن النبي عليه السلام أنه قال: الصلاة عماد الدين والصمت أفضل،
والصدقة تطفى عضب الرب والصمت أفضل، والصوم جنة من النار والصمت
أفضل، والجهاد سِنام الدين والصمت أفضل.
قيل أوحى الله تعالى إلى نبي من الأنبياء من بني إسرائيل وقال: صمتك
عن الباطل لي صوم، وحفظك الجوارح عن المحارم لي صلاة، وإياسك عن
الخلق لي صدقة، وكفك الأذى عن المسلمين لي جهاد.
وعن عبد الله بن مسعود )رضي الله عنه( قال: أربعة من ظلمة القلب:
بطن شبعان من غير مبالاة، وصحبة الظالمين، ونسيان الذنوب الماضية،
وطول الأمل. وأربعة من نور القلب: بطن جائع من حذر، وصحبة الصالحين،
وحفظ الذنوب الماضية، وقصر الأمل.
وعن حاتم الأصم )رحمة الله تعالى( أنه قال: من ادعى أربعة بلا أربعة
فدعواه كذب: من ادعى حب الله ولم ينته عن محارم الله فدعواه كذب، ومن
ادعى حب النبي عليه السلام وكره الفقراء والمساكين فدعواه كذب، ومن
ادعى حب الجنة ولم يتصدق فدعواه كذب، ومن ادعى خوف النار ولم ينته
عن الذنوب فدعواه كذب.
وعن النبي عليه السلام أنه قال: علامة الشقاوة أربعة: نسيان الذنوب
الماضية وهي عند الله تعالى محفوظة؛ وذكر الحسنات الماضية ولا يدري
أقبلت أم ردت؛ ونظره إلى من فوقه فى الدنيا؛ ونظره إلى من دونه فى الدين.
بقول الله: أردته ولم يردني، فتركته. وعلامة السعادة أربعة: ذكر الذنوب
الماضية، ونسيان الحسنات الماضية، ونظره إلى من فوقه فى الدين، ونظره
إلى من دونه فى الدنيا.
وعن بعض الحكماء أن شعائر الإيمان أربعة: التقوى والحياء والشكر
والصبر.
روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: ذروة الإيمان أربع خلال: الصبر
للحكم والرضا بالقدر والإخلاص للتوكل والإستسلام للرب، رواه أبو نُعيم.
وعن النبي أنه قال: الأمهات أربعة: أم الأدوية، وأم الأداب، وأم العبادات، وأم
الأماني؛ فأم الأدوية قلة الأكل، وأم الأداب قلة الكلام، وأم العبادات قلة
الذنوب، وأم الأماني الصبر.
وقال عليه السلام: أربعة جواهر فى جسم بني آدم يزيلها أربعة أشياء. أما
الجواهر: فالعقل، والدين، والحياء، والعمل الصالح. فالغضب يزيل العقل،
والحسد يزيل الدين، والطمع يزيل الحياء، والغيبة تزيل العمل الصالح.
وعن النبي أنه قال: أربعة فى الجنة خير من الجنة: الخلود فى الجنة خير من
الجنة، وخدمة الملائكة فى الجنة خيرمن الجنة، وجوار الأنبياء فى الجنة خير
من الجنة، ورضى الله تعالى فى الجنة خير من الجنة. وأربعة من النار شر من
النار: الخلود فى النار شر من النار، وتوبيح الملائكة الكفار فى النار شر من
النار، وجوار الشيطان فى النار شر من النار، وغضب الله تعالى فى النار شر
من النار.
وعن بعض الحكماء حين سئل: كيف أنت؟ فقال: أنا مع المولى على
الموافقة ومع النفس على المخالفة، ومع الخلق على النصيحة، ومع الدنيا
على الضرورة.
واختار بعض الحكماء أربع كلمات من أربع كتب هذه هي من التوراة: من
رضي بما أعطاه الله تعالى استراح فى الدنيا والآخرة؛ ومن الإنجيل: من هدم
الشهوات عز فى الدنيا والآخرة؛ ومن الزبور: من تفرد عن الناس نجا فى الدنيا
والآخرة؛ ومن الفرقان: من حفظ اللسان سلم فى الدنيا والآخرة.
وعن عمر )رضي الله عنه(: والله ما ابتليت ببلية إلا وكان لله تعالى علي
فيها أربع نعم، أولها إذا لم تكن فى ذنبي، والثانى إذا لم تكن أعظم منها،
والثالث إذا لم تكن محرم الرضاء بها، والرابع أني أرجو الثواب عليها.
وعن عبد الله بن المبارك قال: إن رجلا حكيما جمع الأحاديث فاختار منها
أربعين ألفا، ثم اختار منها أربعة ألاف، ثم اختار منها أربعمائة، ثم اختار منها
أربعين، ثم اختار منها أربع كلمات إحداهن: لا تثقن بإمرأة على كل حال،
والثانية: لا تغتر بالمال على كل حال، والثالثة: لا تحمل معدتك ما لا تطيقه،
والرابعة: لا تجمع من العلم ما لا ينفعك.
وعن محمد بن أحمد رحمه الله فى قول الله عز وجل: وسيدا وحصورا
ونبيا من الصالحين. قال: ذكر الله يحيى سعيدا وهو عبده لأنه ]أي يحيى[
كان غالبا على أربعة أشياء: على الهوى، وعلى إبليس، وعلى اللسان، وعلى
الغضب.
وعن علي )رضي الله عنه(: لا يزال الدين والدنيا قائمين ما دام أربعة
أشياء ما دام الأغنياء لا يبخلون بما خولوا، وما دام العلماء يعملون بما علموا،
وما دام الجهلاء لا يستكبرون عما لم يعلموا، وما دام الفقراء لا يبيعون
آخرتهم بدنياهم.
وعن النبي أنه قال: إن الله تعالى يحتج يوم القيامة بأربعة أنفس على أربعة
أجناس من الناس: على الأغنياء بسليمان بن داوود، وعلى العبيد بيوسف
وعلى المرضى بأيوب، وعلى الفقراء بعيسى، عليهم السلام.
وعن سعد بن بلال )رحمه الله( أن العبد إذا أذنب من الله تعالى عليه
بأربع خصال: لا يحجب عنه الرزق، ولا يحجب عنه الصحة، ولا يظهرعليه
الذنب، ولا يعاقبه عاجلا.
وعن حاتم الأصم رحمه الله أنه قال: من صرف أربعا إلى أربع وجد الجنة:
النوم إلى القبر، والفخر إلى الميزان، والراحة إلى الصراط، والشهوة إلى
الجنة.
وعن حامد اللفاف رحمه الله أنه قال: اربعة طلبناها فى أ ربعة، فأخطأنا
طرقها، فوجدناها فى أربعة أخرى: طلبنا الغنى فى المال فوجدناه فى القناعة،
وطلبنا الراحة فى الثورة فوجدناها فى قلة المال، وطلبنا اللذات فى النعمة
فوجدناها فى البدن الصحيح، وطلبنا الرزق فى الأرض فوجدناه فى السماء.
وعن علي رضي الله عنه أنه قال: أربعة أشياء قليلها كثير: الوجع، والفقر،
والنار، والعداوة.
وعن حاتم الأصم أنه قال: أربعة أشياء لا يعرف قدرها إلا أربعة: الشباب
لا يعرف قدره إلا الشيوخ، والعافية لا يعرف قدرها إلا أهل البلاء، والصحة لا
يعرف قدرها إلا المرضى، والحياة لا يعرف قدرها إلا الموتى. قال الشاعر أبو
نواس:
ذنوبي إن فكرت فيها كثيرة • ورحمة ربي من ذنوبي أوسع
وما طمعي فى صالح إن عملته • ولكنني فى رحمة الله أطمع
هو الله مولاي الذي هو خالقي • وإني له عبد أقر وأخضع
فإن يك غفران فذلك رحمة • وإن تكن الأخرى فما أنا أصنع
قال النبي: إذا كان يوم القيامة يوضع الميزان فيؤتى بأهل الصلاة فيوفون
أجورهم بالميزان، ثم يؤتى بأهل الصوم فيوفون أجورهم بالميزان، ثم يؤتى بأهل
البلاء لا ينصب لهم ميزان ولا ينشر لهم ديوان فيوفون أجورهم بغير حساب
حتى يتمنى أهل العافية أن لو كانوا بمنزلتهم من كثرة ثواب الله تعالى.
وعن بعض الحكماء: يستقبل ابن آدم أربع نهبات: ينتهب ملك الموت
روحه، وينتهب الورثة ماله، وينتهب الدود جسمه، وينتهب الخصماء يوم
القيامة عرضه.
وعن بعض الحكماء: من اشتغل بالشهوات فلا بد له من النساء، ومن
اشتغل بجمع المال فلا بد له من الحرام، ومن اشتغل بمنافع المسلمين فلا بد
له من المداراة، ومن اشتغل بالعبادة فلا بد له من العلم.
وعن علي )رضي الله عنه( أن أصعب الأعمال أربع خصال: العفو عند
الغضب، والجود فى العسرة، والعفة فى الخلوة، وقول الحق لمن يخافه أو
يرجوه.
وفى الزبور: أوحى الله تعالى إلى داوود عليه السلام أن العاقل الحكيم لا
يخلو من أربع ساعات: ساعة فيها يناجي ربه، وساعة فيها يحاسب نفسه،
وساعة يمشي فيها إلى إخوانه الذين يخبرونه بعيوبه، وساعة فيها يخلى بين
نفسه وبين لذاتها الحلال.
وقال بعض الحكماء: جميع العبادات )من العبودية( أربعة: الوفاء
بالعهود، والمحافظة بالحدود، والصبر على المفقود، والرضى بالوجود.
باب الخماسي
روي عن النبي: من أهان خمسة خسر خمسة: من استخف بالعلماء
خسر الدين، ومن استخف بالأمراء خسر الدنيا، ومن استخف بالجيران خسر
المنافع، ومن استخف بالأقوياء خسر المودة، ومن استخف بأهله خسر طيب
المعيشة.
وقال النبي عليه السلام: سيأتي زمان على أمتي يحبون خمسا وينسون
خمسا: يحبون الدنيا وينسون العقبى، يحبون الدور وينسون القبور، ويحبون
المال وينسون الحساب، يحبون العيال وينسون الحق، ويحبون النفس
وينسون الله، هم مني برآء وأنا منهم بريء.
وقال النبي عليه السلام: لا يعطى الله لأحد خمسا إلا وقد أعد له خمسا
أخرى: لا يعطيه الشكر إلا وقد أعد له الزيادة، ولا يعطيه الدعاء إلا وقد أعد
له الإستجابة، ولا يعطيه الإستغفار إلا وقد أعد له الغفران، ولا يعطيه التوبة إلا
وقد أعد له القبول، ولا يعطيه الصدقة إلا وقد أعد له التقبل.
وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه: الظلمات خمس والسرج لها
خمس: حب الدنيا ظلمة والسراج له التقوى، والذنب ظلمة والسراج له
التوبة، والقبر ظلمة والسراج لها لا إله إلا الله محمد رسول الله، والآخرة ظلمة
والسراج لها العمل الصالح، والصراط ظلمة والسراج لها اليقين.
وعن عمر )رضي الله عنه( أنه قال: موقوفا عليه أو مرفوعا إلى النبي: لولا
ادعاء الغيب لشهدت على خمس نفر أنهم أهل الجنة: الفقير صاحب العيال،
والمرأة الراضى عنها زوجها، والمتصدق بمهرها على زوجها، والراضي عنه
أبواه، والتائب من الذنوب.
وعن عثمان )رضي الله عنه(: خمس هن علامة المتقين: أولها أن لا
يجالس إلا من يصلح الدين معه ويغلب الفرج واللسان، وإذا أصابه شيء
عظيم من الدنيا يراه وبالا، وإذا أصابه شيء قليل من الدين اغتنم ذلك، ولا
يملأ بطنه من الحلال خوفا من أن يخالطه حرام، ويرى الناس كلهم قد نجوا
ويرى نفسه قد هلكت.
وعن علي )رضي تعالى عنه(: لو لا خمس خصال لصار الناس كلهم
صالحين: أولها القناعة بالجهل، والحرص على الدنيا، والشح بالفضل، والرياء
فى العمل، والإعجاب بالرأي.
وعن جمهور العلماء )رحمة الله عليهم أجمعين( أن الله تعالى أكرم نبيه
محمدا )صلعم( بخمس كرمات: أكرمه بالإسم والجسم والعطاء والخطاء
والرضاء: أما الاسم فنداه بالرسالة ولم يناده بالاسم، كما نادى جميع الأنبياء
مثل آدم ونوح وإبراهيم وغيرهم؛ وأما الجسم فإذا دعا النبي شيأ فأجاب هو
بنفسه عنه، ولم يفعل ذلك لسائر الأنبياء؛ وأما العطاء فأعطاه بلا سؤال؛ وأما
الخطاء فذكر العفو قبل ذنبه حيث قال عفا الله عنك؛ وأما الرضى فلم يرد
عليه فديته ولا صدقته ولا نفقته؛ كما ردها على سائر الأنبياء.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص )رضي الله عنهما(: خمس من كن فيه
سعد فى الدنيا والأخرة: أولها أن يذكر لا إله إلا الله محمد رسول الله وقتا
بعدوقت، وإذا ابتلى ببلية قال إنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله
العلي العظيم، وإذا أعطي بنعمة قال: الحمد لله رب العالمين شكرا للنعمة،
وإذا ابتدأ فى شيء قال بسم الله الرحمن الرحيم، وإذا أفرط منه ذنبا قال
أستغفرالله العظيم وأتوب إليه.
وعن الحسن البصري )رحمه الله( أنه قال: مكتوب فى التوراة خمسة
أحرف: أن الغنية فى القناعة، وأن السلامة فى العزلة، وأن الحرمة فى رفض
الشهوات، وأن التمتع فى أيام طويلة، وأن الصبر فى أيام قليلة.
وعن النبي: إغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل
سقمك، وغناك قبل فقرك، وحياتك قبل موتك، وفراغك قبل شغلك.
وعن يحيى بن معاذ الرازي )رحمه الله(: من كثر شبعه كثر لحمه، ومن كثر
لحمه كثرت شهوته، ومن كثرت شهوته كثرت ذنوبه، ومن كثرت ذنوبه قسى
قلبه، ومن قسى قلبه غرق فى آفات الدنيا وزينتها.
وعن سفيان الثوري أنه قال: اختار الفقراء خمسا واختار الأغنياء خمسا:
اختار الفقراء راحة النفس، وفراغة القلب، وعبودية الرب، وخفة الحساب،
والدرجة العليا، واختار الأغنياء تعب النفس، وشغل القلب، وعبودية الدنيا،
وشدة الحساب، والدرجة السفلى.
وعن عبد الله الأنطاكي )رحمه الله(: خمسة هن من دواء القلب: مجالسة
الصالحين، وقراءة القرآن، وخلاء البطن، وقيام الليل، والتضرع عند الصباح.
وعن جمهور العلماء أن الفكرة على خمسة أوجه: فكرة فى آيات الله
يتولد منها التوحيد واليقين، وفكرة فى آلاء الله يتولد منها المحبة، وفكرة فى
وعد الله تعالى يتولد منها الرغبة، وفكرة فى وعيد الله يتولد منها الهيبة، وفكرة
فى تقصير نفسه عن الطاعة مع إحسان الله إليه يتولد منها الحياء.
وعن بعض الحكماء ]قولهم[: بين يدي التقوى خمس عقبات من جاوزها
نال التقوى، أولها: اختيار الشدة على النعمة، وثانيها: اختيار الجهد على
الراحة، وثالثها: اختيار الذل على العز، ورابعها: اختيار السكوت على
الفضول، وخامسها: اختيار الموت على الحياة.
وعن النبي عليه السلام: النجوى يحصن الأسرار، الصدقة تحصن
الأموال، والإخلاص يحصن الأعمال، والصدق يحصن الأقوال، والمشورة
تحصن الأراء.
]و[ قال النبي عليه السلام: إن فى جمع المال خمسة أشياء: العناء فى
جمعه، والشغل عن ذكر الله تعالى بإصلاحه، والخوف من سالبه وسارقه،
واحتمال اسم البخيل لنفسه، ومفارقة الصالحين من أجله، وفى تفريقه خمسة
أشياء: راحة النفس من طلبه، والفراغ لذكر الله من حفظه، والأمن من سالبه
وسارقه، واكتساب اسم الكريم لنفسه، ومصاحبة الصالحين لفراقه
وعن سفيان الثوري )رحمه الله(: لا يجتمع فى هذا الزمان لأحد مال إلا وعنده
خمس خصال: طول الأمل، وحرص غالب، وشح شديد، وقلة الورع، ونسيان
الآخرة.
قال القائل:
ياخاطب الدنيا إلى نفسه • إن لها فى كل يوم خليلا
تستنكح البعل وقد وطئت • فى موضع أخر منه بديلا
ما أقبل الدنيا لخطابها • لقتلهم ]فيها[ قتيلا قتيلا
إني لمغتر وإن البلاء • يعمل فى جسمي قليلا قليلا
تزودوا للموت زادا فقد • نادى المنادي الرحيل الرحيلا
وعن حاتم الأصم )رحمه الله( أنه قال: العجلة من الشيطان إلا فى خمس
مواضع فإنها من سنن رسول الله: إطعام الضيف إذا نزل، وتجهيز الميت إذا
مات، وتزويج البنت إذا بلغت، وقضاء الدين إذا وجب، والتوبة من الذنوب
إذا فرط.
وقال محمد بن الدوري: شقي إبليس بخمسة أشياء: لم يقر بالذنب، ولم
يندم، ولم يلم نفسه، ولم يعزم على التوبة، وقنط من رحمة الله؛ وسعد آدم
بخمسة أشياء: أقر بالذنب، وندم عليه، ولام نفسه، وأسرع فى التوبة، ولن
يقنط من رحمة الله.
عن شقيق البلخي )رحمه الله( أنه قال: عليكم بخمس خصال فاعملوها:
اعبدوا الله بقدر حاجتكم إليه، وخذوا من الدنيا بقدر عمركم فيها، وأذنبوا الله
بقدر طاقتكم على عذابه، وتزودوا فى الدنيا بقدر مكثكم فى القبر، واعملوا
للجنة بقدر ما تريدون فيها المقام.
وقال عمر )رضي الله عنه( رأيت جميع الأخلاء فلم أر خليلا أفضل من
حفظ اللسان، ورأيت جميع اللباس فلم أر لباسا أفضل من الورع، ورأيت
جميع المال فلم أر مالاً أفضل من القناعة، ورأيت جميع البر فلم أر برا
أفضل من النصيحة، ورأيت جميع الأطعمة فلم أر طعاما ألذ من الصبر.
وعن بعض الحكماء أنه قال: الزهد خمس خصال: الثقة بالله، والتبري
عن الخلق، والإخلاص فى العمل، واحتمال الظلم، والقناعة فى اليد.
وعن بعض العباد أنه قال فى المناجاة: إلهي طول الأمل غرني، وحب
الدنيا أهلكني، والشيطان أضلني، والنفس الأمارة بالسوء عن الحق، منعتني،
وقرين السوء على المعصية أعانني فأغثني يا غياث المستغيثين، فإن لم
ترحمني فمن ذا الذي يرحمني غيرك.
قال النبي عليه السلام: سيأتي على أمتي زمان يحبون الخمس وينسون
الخمس: يحبون الدنيا وينسون الآخرة، ويحبون الحياة وينسون الموت،
ويحبون القصور وينسون القبور، ويحبون المال وينسون الحساب، ويحبون
الخلق وينسون الخالق.
وقال يحيى بن معاذ الرازي )رحمه الله( فى المناجاة: إلهي، لا يطيب
الليل إلا بمناجاتك، ولا يطيب النهار إلا بطاعتك، ولا تطيب الدنيا إلا
بذكرك، ولا تطيب الآخرة إلا بعفوك، ولا تطيب الجنة إلا برؤيتك.
باب السداسي
قال النبي: ستة أشياء هن غريبة فى ستة مواضع: المسجد غريب فيما بين
قوم لا يصلون فيه، والمصحف غريب فى منزل قوم لا يقرأون فيه، والقرآن
غريب فى جوف الفاسق، والمرأة المسلمة الصالحة غريبة فى يد رجل ظالم
سيئ الخلق، والرجل المسلم الصالح غريب فى يد امرأة رديّة سيئة الخلق،
والعالم غريب بين قوم لا يستمعون إليه. ثم قال )النبي عليه السلام(: إن الله
تعالى لا ينظر إليهم يوم القيامة نظر الرحمة.
وقال النبي: ستة لعنتهم ولعنهم الله تعالى، وكل نبي مجاب الدعوات:
الزائد فى كتاب الله تعالى، والمكذب بقدر الله تعالى، والمتسلط بالجبروت
ليعز من أذله الله ويذل من أعزه الله، والمستحل لحرم الله تعالى، والمستحل
من عترتي ما حرم الله، وتارك لسنتي، فإن الله تعالى لا ينظر إليهم يوم القيامة
نظر الرحمة.
قال أبو بكر الصديق: إن إبليس قائم أمامك، والنفس عن يمينك،
والهوى عن يسارك، والدنيا عن خلفك، والأعضاء عن حولك، والجبار فوقك
)يعني بالقدرة لا بالمكانة(؛ فإلإبليس لعنه الله يدعوك إلى ترك الدين، والنفس
تدعوك إلى المعصية، والهوى يدعوك إلى الشهوة، والدنيا تدعوك إلى اختيارها
على الآخرة، والأعضاء تدعوك إلى الذنوب، والجبار يدعوك إلى الجنة
والمغفرة، قال الله تعالى: والله يدعو إلى الجنة والمغفرة فمن أجاب إبليس
ذهب عنه الدين، ومن أجاب النفس ذهب عنه الروح، ومن أجاب الهوى
ذهب عنه العقل، ومن أجاب الدنيا ذهب ]ذهبت[ عنه الآخرة، ومن أجاب
الأعضاء ذهبت عنه الجنة، ومن أجاب الله تعالى ذهبت عنه السيئات ونال
جميع الخيرات.
وقال عمر )رضي الله تعالى عنه(: إن الله تعالى كتم ستة فى ستة: كتم
الرضاء فى الطاعة، وكتم الغضب فى المعصية، وكتم اسمه الأعظم فى القرآن،
وكتم ليلة القدر فى شهر رمضان، وفى نسخة وكتم أولياءه فيما بين الناس
وكتم الموت فى العمر، وكتم الصلاة والوسطى فى الصلاة.
وقال عثمان )رضي الله عنه(: إن المؤمن فى ستة أنواع من الخوف:
أحدها من قبل الله تعالى أن يأخذ منه الإيمان، والثاني من قبل الحفظة أن
يكتبوا عليه ما يفتضح به يوم القيامة، والثالث من قبل الشيطان أن يبطل
عمله، والرابع من قبل ملك الموت أن يأخذه فى غفلة بغتة، والخامس من
قبل الدنيا أن يغتر بها وتشغله عن الآخرة، والسادس من قبل الأهل والعيال أن
يشتغل بهن فى شغلونه عن ذكر الله تعالى.
وعن علي )رضي الله عنه( أنه قال: من جمع ستة خصال لم يدع للجنة
مطلبا ولا عن النار مهربا: أولها عرف الله تعالى فأطاعه، وعرف الشيطان
فعصاه، وعرف الآخرة فطلبها، وعرف الدنيا فرفضها، وعرف الحق فاتبعه،
وعرف الباطل فاجتنبه. وقال ]الإمام علي[ أيضا: النعم ستة أشياء: الإسلام،
والقرآن، ومحمد رسول الله، والعافية، والستر، والغني عن الناس.
وعن يحيى بن معاذ الرازي )رحمه الله(: العلم دليل العمل، والفهم وعاء
العلم، والعقل قائد للخير، والهوى مركب للذنوب، والمال رداء المتكبرين،
والدنيا سوق الآخرة.
وقال أبو ذر جمهر: ست خصال تعدل جميع الدنيا: الطعام المريء،
والولد الصالح، والزوجة الموافقة، والكلام المحكم، وكمال العقل، وصحة
البدن.
وعن الحسن البصري )رحمه الله(: لو لا الأبدال لخسفت الأرض وما
فيها، ولو لا الصالحون لهلك الطالحون، ولو لا العلماء لصار الناس كلهم
كالبهائم، ولو لا السلطان لأهلك ]الناس[ بعضهم بعضا، ولو لا الحمقاء
لخربت الدنيا، ولو لا الريح لأنتن كل شيئ.
وعن بعض الحكماء أنه قال: من لم يخش الله لم ينج من زلة اللسان،
ومن لم يخش قدومه على الله لم ينج قلبه من الحرام والشبهة، ومن لم يكن
أئسا عن الخلق لم ينج من الطمع، ومن لم يكن حافظا على عمله لم ينج من
الرياء، ومن لم يستعن بالله على إحتراس قلبه لم ينج من الحسد، ومن لم ينظر
إلى من هو أفضل منه علما وعملا لم ينج من العجب.
وعن الحسن البصري أنه قال: إن فساد القلوب عن ستة أشياء، أولها:
يذنبون برجاء التوبة، ويتعلمون العلم ولا يعملون ]به[، وإذا عملوا لا
يخلصون، ويأكلون رزق الله ولا يشكرون، ولا يرضون بقسمة الله، ويدفنون
موتاهم ولا يعتبر ون. وقال ]الحسن البصري[ أيضا: من أراد الدنيا واختارها
على الآخرة عاقبه الله بست عقوبات، ثلاث فى الدنيا وثلاث فى الآخرة؛ أما
الثلاث التي هي فى الدنيا فأمل ليس له منتهى، وحرص غالب ليس له قناعة،
وأخذ منه حلاوة العبادة. وأما الثلاث التي هي فى الآخرة فهول يوم القيامة،
والحساب الشديد، والحسرة الطويلة.
وقال أحنف بن قيس )رضي الله عنه(: لا راحة للحسود، ولا مروة
للكذوب، ولا حيلة للبخيل، ولا وفاء للملوك، ولا سؤدد لسيئ الخلق، ولاراد
لقضاء الله. وسئل )عن( بعض الحكماء: هل يعرف العبد إذا تاب أن توبته
قبلت أم ردت؟ قال: لا أحكم فى ذلك، ولكن لذلك علامة: إحداها أن يرى
نفسه غير معصومة من المعصية، ويرى فى قلبه الفرح غائبا والحزن شاهدا،
ويقرب أهل الخير ويباعد أهل الشر، ويرى القليل من الدنيا كثيرا ويرى الكثير
من عمل الآخرة قليلا، ويرى قلبه مشتغلا بما ضمن من الله تعالى فارغا عما
ضمن الله تعالى منه، ويكون حافظ اللسان دائم الفكرة لازم الغم والندامة.
وقال يحيى بن معاذ )رحمه الله(: من أعظم الإغترار عندي التمادي فى
الذنوب على رجاء العفو من غير ندامة، وتوقع القرب من الله تعالى بغير
طاعة، وانتظار زرع الجنة ببذر النار، وطلب دار المطيعين بالمعاصي، وانتظار
الجزاء بغير عمل، والتمني على الله عز وجل مع الإفراط.
يرجو النجاة ولا يسلك مسلكها • إن السفينة لا تجري على اليبس
وقال أحنف بن قيس حين سئل: ما خير ما يعطى العبد؟ قال: عقل
غريزي، قيل: فإن لم يكن؟ قال: أدب صالح، قيل: فإن لم يكن؟ قال:
صاحب موافق، قيل: فإن لم يكن؟ قال: قلب مرابط، قيل: فإن لم يكن؟
قال: طول الصمت، قيل: فإن لم يكن؟ قال: موت حاضر.
باب السباعي
عن أبي هريرة )رضي الله عنه( عن النبي: سبعة نفر يظلهم الله يوم القيامة
تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله أولها: إمام عادل، وشاب نشأ فى عبادة
الله تعالى، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه دمعا من خشية الله تعالى،
ورجل قلبه متعلق بالمسجد حتى يرجع إليه، ورجل تصدق بصدقة فأخفأها فلم
تعلم شماله بما صنعت يمينه، ورجلان تحابا فى الله، ورجل دعته امرأة ذات
جمال إلى نفسها فأبى وقال إني أخاف الله تعالى.
وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: البخيل لا يخلو من إحدى السبع:
إما أن يموت فيرثه من يبذل ماله وينفقه لغير ما أمر الله تعالى، أو يسلط الله
عليه سلطانا جائرا فيأخذه منه بعد تذليل نفسه، أو يهيج له شهوة يفسد عليه
ماله، أو يبدو له رأي فى بناء أو عمارة فى أرض خراب فيذهب فيه ماله، أو
يصيب له نكبة من نكبات الدنيا من غرق أو حرق أو سرقة وما أشبه ذلك، أو
يصيبه علة دائمة فينفق ماله فى مداواتها، أو يدفنه فى موضع من المواضع
فينساه فلا يجده.
قال عمر )رضي الله عنه(: من كثر ضحكه قلت هيبته، ومن استخف
بالناس استُخِف به، ومن أكثرفى شيء عرف به، ومن كثر كلامه كثر سقطه،
ومن كثر سقطه قل حياؤه، ومن قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه.
وعن عثمان )رضي الله عنه( أنه قال فى قوله تعالى: وكان تحته كنز لهما
وكان أبوهما صالحا قال: الكنز لوح من ذهب وعليه سبعة أسطر مكتوب فى
إحداها عجبت لمن عرف الم وت وهو يضحك، وعجبت لمن عرف الدنيا
فانية وهو يرغب فيها، وعجبت لمن عرف أن الأمور بأقدار وهو يغتم للفوات،
وعجبت لمن عرف الحساب وهو يجمع مالا، وعجبت لمن عرف النار وهو
يذنب، وعجبت لمن عرف الله يقينا وهو يذكر غيره، وعجبت لمن عرف
الجنة يقينا وهو يستريح بالدنيا، وعجبت لمن عرف الشيطان عدوا فأطاعه،
وسئل عن علي )رضي الله عنه(: ما أثقل من السماء وما أوسع من الأرض، وما
أغنى من البحر، وما أشد من الحجر، وما أحر من النار، وما أبرد من
الزمهرير، وما أمر من السم؟ فقال علي )رضي الله عنه(: البهتان على البرايا
أثقل من السماء، والحق أوسع من الأرض، وقلب القانع أغنى من البحر،
وقلب المنافق أشد من الحجر، والسلطان الجائر أحر من النار، والحاجة من
اللئيم أبرد من الزمهرير، والصبر أمر من السم. )وقيل النميمة أمر من السم(.
وقال النبي عليه السلام: الدنيا دار من لا دار له، ومال من لا مال له، ولها
يجمع من لا عقل له، ويشتغل بشهوتها من لا فهم له، وعليها يعاقب من لا
علم له، ولها يحسد من لا لب له، ولها يسعى من لا يقين له.
وعن جابر بن عبد الله الأنصاري )رضي الله عنه( عن النبي أنه قال: ما
زال يوصيني جبرائيل بالجار حتى ظننت أنه يجعله وارثا، وما زال يوصيني
بالنساء حتى ظننت أنه سيحرم طلاقهن، وما زال يوصيني بالمملوكين حتى
ظننت أنه يجعل لهم وقتا يعتقون فيه، وما زال يوصيني بالسواك حتى ظننت
أنه فريضة، وما زال يوصيني بالصلاة فى الجماعة حتى ظننت أنه لا يقبل الله
تعالى صلاة إلا فى الجماعة، وما زال يوصيني بقيام الليل حتى ظننت أنه لا
نوم بالليل، وما زال يوصيني بذكر الله حتى ظننت أنه لا ينفع قول إلا به.
وقال النبي عليه السلام: سبعة لا ينظر إليهم الخالق يوم القيامة ولا
يزكيهم ويدخلهم النار: الفاعل، والمفعول به، والناكح بيده، وناكح البهيمة،
وناكح المرأة من دبرها، والجامع بين المرأة وابنتها، والزاني بحليلة جاره،
والمؤذي جاره حتى يلعنه.
وقال النبي: الشهداء سبعة سوى المقتول فى سبيل الله، أولهم: المبطون
شهيد، والغريق شهيد، وصاحب ذات الجنب شهيد، والمطعون شهيد،
والحريق شهيد، والميت تحت الهدم شهيد، والمرأة التي ماتت عن الولادة
شهيد.
وعن بن عباس )رضي الله عنهما(: حق على العاقل أن يختار سبعا على
سبع: الفقر على الغني، والذل على العز، والتواضع على الكبر، والجوع على
الشبع، والغم على السرور، والدون على المرتفع، والموت على الحياة.
باب الثماني
قال النبي عليه السلام: ثمانية أشياء لا تشبع من ثمانية: العين من النظر،
والأرض من المطر، والأنثى من الذكر، والعالم من العلم، والسائل من
المسئلة، والحريص من الجمع، والبحر من الماء، والنار من الحطب.
وقال أبو بكر الصديق )رضي الله عنه( ثمانية أشياء هن زينة لثمانية أشياء:
العفاف زينة الفقر، والشكر زينة النعمة، والصبر زينة البلاء، والحلم زينة
العلم، والتذلل زينة المتعلم، وكثرة البكاء زينة الخوف، وترك المنة زينة
الإحسان، والخشوع زينة الصلاة.
وقال عمر )رضي الله عنه(: من ترك فضول الكلام منح الحكمة، ومن
ترك فضول النظر منح خشوع القلب، ومن ترك فضول الطعام منح لذة
العبادة، ومن ترك فضول الضحك منح الهيبة، ومن ترك المزاح منح البهاء،
ومن ترك حب الدنيا منح حب الآخرة، ومن ترك الاشتغال بعيوب غيره منح
الإصلاح لعيوب نفسه، ومن ترك التجسس فى كيفية الله تعالى منح البراءة من
النفاق.
وعن عثمان )رضي الله عنه( أنه قال: علامات العارفين ثمانية أشياء: قلبه
مع الخوف والرجاء، ولسانه مع الحمد والثناء، وعيناه مع الحياء والبكاء،
وإرادته مع الترك والرضاء )يعني ترك الدنيا وطلب رضا مولاه(.
وعن علي )رضي الله عنه(: لا خير فى صلاة لا خشوع فيها، ولا خير فى
صوم لا امتناع فيه عن اللغو، ولا خير فى قراءة لا تدبر فيها، ولا خير فى علم
لا ورع فيه، ولا خير فى مال لا سخاوة فيه، ولا خير فى أخوة لا حفظ فيها،
ولا خير فى نعمة لا بقاء لها، ولا خير فى دعاء لا إخلاص فيه.
باب التساعي
قال النبي: أوحى الله تعالى إلى موسى بن عمران فى التوراة أن أمهات
الخطايا ثلاثة: الكبر، والحسد، والحرص، فنشأمنها ستة فصرن تسعة: الأولى
من الستة الشبع، والنوم، والراحة، وحب الأموال، وحب الثناء والمحمدة،
وحب الرياسة.
وقال أبو بكر الصديق )رضي الله عنه(: العباد ثلاثة أصناف، لكل صنف
ثلاث علامات يعرفون بها: صنف يعبدون الله تعالى على سبيل الخوف،
وصنف يعبدون الله على سبيل الرجاء، وصنف يعبدون الله على سبيل الحب؛
فللأول ثلاث علامات: يستحقر نفسه، ويستقل حسناته، ويستكثر سيئاته؛
وللثاني ثلاث علامات: يكون قدوة الناس فى جميع الحالات، ويكون أسخى
الناس كلهم بالمال فى الدنيا، ويكون أحسن الظن بالله فى الخلق كلهم؛
وللثالث ثلاثة علامات: يعطي ما يحبه ولا يبالي بعد أن يرضى ربه، ويعمل
بسخط نفسه بعد أن يرضى ربه، ويكون فى جميع الحالات مع سيده فى أمره
ونهيه.
وقال عمر )رضي الله عنه(: إن ذرية الشيطان تسعة: زليتون، ووثين،
ولقوس، وأعوان، وهفاف، ومرة، والمسوط، وداسم، وولهان. فأما زليتون فهو
صاحب الأسواق فنصب فيها رايته؛ وأما وثين فهو صاحب المصيبات؛ وأما
أعوان فهو صاحب السلطان، وأما هفاف فهو صاحب الشراب، وأما مرة فهو
صاحب المزامير، وأما لقوس فهو صاحب المجوس، وأما المسوط فهو
صاحب الأخبار يلقيها فى أفواه الناس ولا يجدون لها أصلا؛ وأما الداسم فهو
صاحب البيوت إذا دخل الرجل المنزل ولم يسلم ولم يذكر اسم الله تعالى
أوقع فيما بينهم ]بينهما[ المنازعة حتى يقع الطلاق والخلع والضرب؛ وأما
ولهان فهو يوسوس فى الوضوء والصلاة والعبادات.
وقال عثمان )رضي الله عنه(: من حفظ الصلوات الخمس لوقتها ودوام
عليها أكرمه الله بتسع كرامات. أولها: أن يحبه الله، ويكون بدنه صحيحا،
وتحرسه الملائكة، وتنزل البركة فى داره، ويظهر على وجهه سيماء الصالحين،
ويلين الله قلبه، ويكور على صراط المستقيم كالبرق اللامع، وينجيه الله من
النار، وينزله الله فى جوار الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
وعن علي )رضي الله عنه(: البكاء على ثلاثة أوجه، أحدها من خوف
عذاب الله تعالى، والثاني من رهبة السخط، والثالث من خشية القطيعة. فأما
الأول فهو كفارة الذنوب، وأما الثاني فهو طهارة للعيوب، وأما الثالث فهو
ال ولاية مع رضى المحبوب؛ فثمرة كفارة الذنوب النجاة من العقوبات، وثمرة
طهارة العيوب النعيم المقيم والدرجات العلى، وثمرة الولاية مع رضى
المحبوب حسن البشارة من الله تعالى بالرضى والرؤية، وزيارة الملائكة زيادة
الفضيلة.
باب العشاري
قال رسول الله: عليكم بالسواك فإن فيه عشر خصال: يطهر الفم،
ويرضي الرب، ويسخط الشيطان، ويحبه الرحمن والحفظة، ويشد اللثة،
ويقطع البلغم، ويطيب النكهة، ويطفئ المرة، ويجلي البصر، ويذهب البخرة،
وهو من السنة. ثم قال عليه السلام: والصلاة بالسواك أفضل من سبعين
صلاة بغير سواك.
وقال أبو بكر الصديق )رضي الله عنه(: ما من عبد رزقه الله عشر خصال
إلا وقد نجا من الآفات والعاهات كلها، وصار فى درجة المقربين، ونال درجة
المتقين: أولها صدق دائم معه قلب قانع، والثاني صبر كامل معه شكر دائم،
والثالث فقر دائم معه زهد حاضر، والرابع فكر دائم معه بطن جائع،
والخامس حزن دائم معه خوف متصل، والسادس جهد دائم معه بدن
متواضع، والسابع رفق دائم معه رحم حاضر، والثامن حب دائم معه حياء،
والتاسع علم نافع معه حلم دائم، والعاشر إيمان دائم معه عقل ثابت.
وقال عمر )رضي الله عنه(: عشرة لا تصلح بغير عشرة: لا يصلح العقل
بغير ورع، ولا الفضل بعير علم، ولا الفوز بغير خشية، ولا السلطان بغير
عدل، ولا الحسب بغير أدب، ولا السرور بغير أمن، ولا الغنى بغير جود، ولا
الفقر بغير قناعة، ولا الرفعة بغير تواضع، ولا الجهاد بغير توفيق.
وقال عثمان )رضي الله عنه(: أضيع الأشياء عشرة: عالم لا يسأل عنه،
وعلم لا يعمل به، ورأي صواب لا يقبل، وسلاح لا يستعمل، ومسجد لا
يصلى فيه، ومصحف لا يقرأ عنه، ومال لا ينفق منه، وخيل لا يركب، وعلم
الزهد فى بطن من يريد الدنيا، وعمر طويل لا يتزود ]صاحبه[ فيه لسفره.
وقال علي )رضي الله عنه(: العلم خير ميراث، والأدب خير حرفة، والتقوى
خير زاد، والعبادة خير بضاعة، والعمل الصالح خير قائد، وحسن الخلق خير
قرين، والحلم خير وزير، والقناعة خير غني، والتوفيق خير عون، والموت خير
مؤدب.
وقال عليه السلام: عشرة من هذه الأمة هم كفار بالله العظيم ويظنون أنهم
المؤمنون: القاتل بغير حق، والساحر، والديوث الذي لا يغار على أهله، ومانع
الزكاة، وشارب الخمر، ومن وجب عليه الحج فلم يحج، والساعي فى الفتن،
وبائع السلاح من أهل الحرب، وناكح المرأة فى دبرها، وناكح ذات رحم
محرم. إن علم هذه الأفعال حلالا فقد كفر.
وقال النبي: لا يكون العبد فى السماء ولا فى الأرض مؤمنا حتى يكون
وصولا، ولا يكون وصولا حتى يكون مسلما، ولا يكون مسلما حتى يسلم
الناس من يده ولسانه، ولا يكون مسلما حتى يكون عالما، ولا يكون عالما
حتى يكون بالعلم عاملا، ولا يكون بالعلم عاملا حتى يكون زاهدا، ولا يكون
زاهدا حتى يكون ورعا، ولا يكون ورعا حتى يكون متواضعا، ولا يكون
متواضعا حتى يكون عارفا بنفسه، ولا يكون عارفا بنفسه حتى يكون عاقلا فى
كلامه.
وقيل: رأى يحيى بن معاذ الرازي )رحمه الله( فقيها راغبا فى الدنيا فقال:
يا صاحب العلم والسنة، قصوركم قيصرية، وبيوتكم كسروية، ومساكنكم
قارونية، وأبوابكم طالوتية، وثيابكم جال وتية، ومذاهبكم شيطانية، وضياعكم
ماردية، وولايتكم فرعونية، وقضائكم عاجيلية أصحاب رشوة غشاشية،
ومماتكم جاهلية فأين المحمدية. وقال:
أيها المناجي ربه بأنواع الكلام • والطالب مسكنه فى دار السلام
والمتسوف للتوبة عاما بعد عام • وما أراك منصفا لنفسك بين الأنام
إنك لو رافقت يومك يا غافل بالصيام • وأحييت طول ليلك بالقيام
واقتصرت بالقليل من الماء والطعام • لكنت أحرى أن تنال شرف المقام
والكرامة العظيمة من رب الأنام • والرض وان الأكبر من ذي الجلال والإكرام
وقال بعض الحكماء: عشر خصال يبغصها الله سبحانه وتعالى من عشرة
أنفس: البخل من الأغنياء، والكبر من الفقراء، والطمع من العلماء، وقلة
الحياء من النساء، وحب الدنيا من الشيوخ، والكسل من الشباب، والجور من
السلطان، والجبن من الغزاة، والعجب من الزاهد، والرياء من العباد.
وقال رسول الله: العافية على عشرة أوجه، خمسة فى الدنيا وخمسة فى
الآخرة؛ فأما التي فى الدنيا ]فهي[ العلم، والعبادة، والرزق من الحلال،
والصبر على الشدة، والشكر على النعمة، وأما التي فى الآخرة فإنه يأتيه ملك
الموت بالرحمة واللطف، ولا يروعه منكر ونكير فى القبر، ويكون آمنا فى
الفزع الأكبر، وتمحى سيئاته وتقبل حسناته، ويمر على الصراط كالبرق
اللامع، ويدخل الجنة فى السلامة.
وقال أبو الفضل رحمه الله: سمى الله تعالى كتابه بعشرة أسماء: قرآنا،
وفرقانا، وكتابا، وتنزيلا، وهدى، ونورا، ورحمة، وشفاء، وروحا، وذكرا؛ أما
القرآن والفرقان والكتاب والتنزيل فمشهور، وأما الهدى والنور والرحمة
والشفاء ]فقد[ قال الله تعالى: يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم
وشفاء لما فى الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين، قد جاءكم من الله نور وكتاب
مبين، وأما الروح فقال: وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا، وأما الذكر فقال:
وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس.
وقال لقمان لابنه: يابني إن الحكمة أن تعمل عشرة أشياء: أحدها تحيى
القلب الميت، وتجلس المسكين، وتتقي مجالس الملوك، وتشرف الوضيع،
وتحرر العبيد، وتؤوي الغريب، وتغني الفقير، وتزيد لأهل الشرف شرفا وللسيد
سؤددا. وهي أفضل من المال، وحرز من الخوف، وعدة فى الحرب، وبضاعة
حين يربح. وهي شفيعة حين يعتريه )العبد( الهول، وهي دليلة حين ينتهي به
اليقين إلى النفس، وهي سترة حين لا يستره ثوب.
وقال بعض الحكماء: ينبغي للعقل إذا تاب أن يفعل عشر خصال،
إحداها إستغفار باللسان، وندم بالقلب، وإقلاع بالبدن، والعزم أن لا يعود
]إلى المعصية[ أبدا، وحب الآخرة، وبغض الدنيا، وقلة الكلام، وقلة الأكل
والشرب حتى يتفرغ للعلم والعبادة، وقلة النوم. وقال الله تعالى: كانوا قليلا
من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون.
قال أنس بن مالك )رضي الله عنه(: إن الأرض تنادي كل يوم بعشر
كلمات وتقول: يا ابن آدم، تسعى على ظهري ومصيرك فى بطني، وتعصي
على ظهري وتعذب فى بطني، وتضحك على ظهري وتبكي فى بطني، وتفرح
على ظهري وتحزن فى بطني، وتجمع المال على ظهري وتندم فى بطني،
وتأكل الحرام على ظهري وتأكلك الديدان فى بطني، وتختال على ظهري
وتذل فى بطني، وتمشي مسرورا على ظهري وتقع حزينا فى بطني، وتمشي فى
نور على ظهري وتقع فى الظلمات فى بطني، وتمشي على المجامع على
ظهري وتقع وحيدا فى بطني.
قال رسول الله: من كثر ضحكه عوقب بعشر عقوبات: أولها يموت قلبه،
ويذهب الماء على وجهه، ويشمت به الشيطان، ويغضب عليه الرحمن،
ويناقش به يوم القيامة، ويعرض عنه النبي يوم القيامة، وتلعنه الملائكة، ويبغضه
أهل السموات والأرضين، وينسى كل شيء، ويفتضح يوم القيامة.
وقال الحسن البصري )رحمه الله(: يوما بينما أنا أطوف أزقة البصرة وفى
أسواقها مع شاب عابد فإذا أنا بلغنا بطبيب وهو جالس على الكرسي بين يديه
رجال ونساء وصبيان بأيديهم قوارير فيها ماء، وكل واحد منهم يستوصف دواء
لدائه، فقال: فتقدم الشاب إلى الطبيب فقال: أيها الطبيب هل عندك دواء
يغسل الذنوب، ويشفى مرض القلوب؟ فقال: نعم، فقال: هات، فقال: خذ
مني عشر أشياء: خذ عروق شجرة الفقر مع عروق شجرة التواضع، واجعل
فيها هليلج التوبة، واطرحه فى هاون الرضاء، واسحقه بمنجار القناعة، واجعله
فى قدر التقى، وصب عليه ماء الحياء، واغله بنار المحبة، واجعله فى قدح
الشكر، وروحه بمروحة الرجاء، واشربه بملعقة الحمد ... فإنك إن فعلت
ذلك فإنه ينفعك من كل داء وبلاء فى
وقيل بعض الملوك خمسة من العلماء والحكماء فأمرهم أن يتكلم كل
واحد بحكمة، فتكلم كل واحد منهم بحكمتين فصارت عشرا. فقال الأول:
خوف الخالق آمن وأمنه كفر، وأمن المخلوق عتق وخوفه رق. وقال الثاني:
الرجاء من الله تعالى غني يضره فقر، واليأس عنه فقر لا ينفع معه غني. وقال
الثالث: لا يضر معه غني القلب فقر الكيس، ولا ينفع مع فقر القلب غني
الكيس. وقال الرابع: لا يزداد غني القلب مع الجود إلا غنى، ولا يزداد فقر
القلب مع غني الكيس إلا فقرا. وقال الخامس: أخذ القليل من الخير خير
من ترك الكثير من الشر، وترك الجميع من الشر خير من أخذ القليل من
الخير.
وقال ابن عباس )رضي الله تعالى عنه( عن النبي: عشرة أصناف من أمتي
لا يدخلون الجنة إلا من تائب، أولهم القلاع، والجيوف، والقتات، والدبوب،
والديوث، وصاحب العرطبة، وصاحب الكوبة، والعتل، والزنيم، والعاق لوالديه
قيل: يا رسول الله، ما القلاع؟ قال: الذي يمشي بين يديه الأمراء. وقيل: ما
الجيوف؟ قال: النباش، وقيل: ما القتات؟ قال: النمام، وقيل ما الدبوب؟ قال:
الذي يجمع فى بيته الفتيات للفجور، وقيل: ما الديوث؟ قال: الذي لا يغار
على أهله، وقيل ما صاحب العرطبة؟ قال: الذي يضرب بالطبل، وقيل: ما
صاحب الكوبة؟ قال: الذي يضرب الطنبور، وقيل: ما العتل؟ قال: الذي لا
يعفو عن الذنب ولا يقبل العذر، وقيل: ما الزنيم؟ قال: الذي ولد من الزنى
ويقعد على قارعة الطريق فيغتاب الناس، والعاق مشهور.
قال النبي: عشرة نفر لن يقبل الله تعالى صلاتهم: رجل صلى وحيدا بغير
قراءة، ورجل لا يؤدي الزكاة، ورجل يؤم قوما وهم له كارهون، ورجل مملوك
آبق، ورجل شارب الخمرمدمن، وامرأة باتت وزوجها ساخط عليها، وامرأة حرة
تصلى بغير خمار، وآكل الربى، والإمام الجائر، ورجل لا تنهاه صلاته عن
الفحشاء والمنكر لا يزداد من الله إلا بعدا.
وقال النبي: ينبغي للداخل فى المسجد عشر خصال: أولها أن يتعاهد
خفيه أو نعله، وأن يبدأ برجله اليمنى، وأن يقول إذا دخل بسم الله وسلام على
رسول الله وعلى ملائكة الله، اللهم افتح لنا أبواب رحمتك إنك أنت الوهاب،
وأن يسلم على أهل المسجد، وأن يقول إذا لم يكن فيه أحد السلام علينا
وعلى عباد الله الصالحين، وأن يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول
الله ولا يمر بين يدي المصلى، وأن لا يعمل بعمل الدنيا ولا يتكلم بكلام
الدنيا، وأن لا يخرج حتى يصلى ركعتين، وأن لا يدخل إلا بوضوء، وأن يقول
إذا قام سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب
إليك.
وعن أبي هريرة ) رحمه الله( عن النبي: الصلاة عماد الدين وفيها عشر
خصال: زين الوجه، ونور القلب، وراحة البدن، وأنس فى القبر، ومنزل
الرحمة، ومفتاح السماء، وثقل الميزان، ومرضاة الرب، وثمن الجنة، وحجاب
من النار؛ ومن أقامها فقد أقام الدين ومن تركها فقد هدم الدين.
وعن عائشة عن النبي أنه قال: إذا أراد الله تعالى أن يدخل أهل الجنة فى
الجنة بعث إليهم ملكا ومعه هدية وكسوة من الجنة، فإذا أرادوا أن يدخلوها
قال لهم الملك: قفوا، إن معي هدية من رب العالمين. قالوا وما تلك الهدية؟
فيقول الملك: هي عشرة خواتم مكتوب على أحدها: سلام عليكم طبتم
فادخلوها خالدين؛ وفى الثاني مكتوب: رفعت عنكم الأحزان والهموم؛ وفى
الثالث مكتوب: وتلك الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون؛ وفى الرابع مكتوب:
ألبسناكم الحلل والحلى؛ وفى الخامس مكتوب: وزوجناهم بحور عين، إني
جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون؛ وفى السادس مكتوب: هذا
جزاءكم اليوم بما فعلتم من الطاعة؛ وفى السابع مكتوب: صرتم شبابا لا
تهرمون أبدا؛ وفى الثامن مكتوب: صرتم آمنين ولا تخافون أبدا؛ وفى التاسع
مكتوب: رافقتم الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين؛ وفى العاشر
مكتوب: سكنتم فى جوار الرحمن ذي العرش الكريم؛ ثم يق ول الملك
أدخلوها بسلام آمنين. فيدخلون الجنة ويقولون الحمد لله الذي أذهب عنا
الحزن إن ربنا لغفور شكور، الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ
من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين.
وإذا أراد الله أن يدخل أهل النار فى النار بعث إليهم ملكا ومعه عشرة
خواتم أولها مكتوب: أدخلوها لا تموتون فيها أبدا ولا تحيون ولا تخرجون؛
وفى الثاني مكتوب: خوضوا فى العذاب لا راحة لكم؛ وفى الثالث مكتوب:
يئسوا من رحمتي؛ وفى الرابع مكتوب: أدخلوها فى الهم والغم والحزن أبدا؛
وفى الخامس مكتوب: لباسكم النار، وطعامكم الزقوم، وشرابكم الحميم،
ومهادكم النار، وغواشيكم النار؛ وفى السادس مكتوب: هذا جزائكم اليوم بما
فعلتم من معصيتي؛ وفى السابع مكتوب: سخطي عليكم فى النار أبدا؛ وفى
الثامن مكتوب: عليكم اللعنة بما تعمدتم من الذنوب الكبائر ولم تتوبوا ولم
تندموا؛ وفى التاسع مكتوب: قرنائكم الشياطين فى النارأبدا؛ وفى العاشر
مكتوب: اتبعتم الشيطان وأردتم الدنيا وتركتم الآخرة فهذا جزائكم.
وعن بعض الحكماء: طلبت عشرة فى عشرة مواطن فوجدتها فى عشرة
أخرى: طلبت الرفعة فى التكبر فوجدتها فى التواضع، وطلبت العبادة فى
الصلاة فوجدتها فى الورع، وطلبت الراحة فى الحرص فوجدتها فى الزهد،
وطلبت نور القلب فى صلاة النهار جهرا فوجدته فى صلاة الليل سرا، وطلبت
نور القيامة فى الجود والسخاوة فوجدته فى العطش والصوم، وطلبت الجواز
على الصراط فى أضحية فوجدتها فى الصدقة، وطلبت النجاة من النار فى
المباحات فوجدتها فى ترك الشهوات، وطلبت حب الله تعالى فى الدنيا
فوجدتها ]ته[ فى ذكر الله تعالى، وطلبت العافية فى المجامع فوجدتها فى
العزلة، وطلبت نور القلب فى المواعظ وقراءة القرآن فوجدتها فى التفكر
والبكاء.
وقال ابن عباس )رضي الله عنهما( فى قوله تعالى: وإذ ابْتَلَى إبراهيم ربُه
بكلمات فأَتَمَّهُ نَّ قال: عشر خصال من السنة، خمس فى الرأس وخمس فى
البدن؛ فأما فى الرأس السواك ]فهي[، والمضمضة، والإستنشاق، وقص
الشارب، والحلق. وأما فى البدن ]فهي[ نتف الإبط، وتقليم الأظفار، وحلق
العانة، والختان، والإستنجاء.
وعن ابن عباس قال: من صلى على النبي واحدة صلى الله عليه عشرة
4( ومن سبه مرة سب الله عليه عشرة مرات؛ ألا ترى لقوله تعالى للوليد بن (
مغيرة لعنة الله عليه حين سب النبي مرة واحدة سبه الله عشر مرات فقال: ولا
تُطِعْ كلَّ حَلاَّفٍمَهينٍ، هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بنَمِيمٍ، مَنَّاعٍ للخير مُعْتَدٍ أَثيمٍ، عُتُلٍّ بعدَ ذالك
زَنِيم، أنْ كان ذا مال وبنين، إذا تُتْلى عليه آياتُنا قال أساطيرُ الأوَّلين يعني
يكذب بالقرآن.
وقال إبراهيم بن أدهم )رحمه الله( حين سألوه عن قوله تعالى أدعوني
أستجبْ لكم، وإنا ندعو فلم يستجب لنا. فقال: ماتت قلوبكم من عشرة
أشياء: أولها أنكم عرفتم الله ولم تؤدوا حقه، وقرأتم كتاب الله ولم تعملوا به،
وادعيتم عداوة إبليس وواليتموه، وادعيتم حب الرسول وتركتم أثره وسنته،
وادعيتم حب الجنة ولم تعملوا لها، وادعيتم خوف النار ولم تنتهوا عن
الذنوب، وادعيتم أن الموت حق ولم تستعدوا له، واشتغلتم بعيوب غيركم
وتركتم عي وب أنفسكم، وتأكلون رزق الله ولا تشكر ونه، وتدفنون موتاكم ولا
تعتبرون.
وقال النبي: ما من عبد وأمة دعا بهذا الدعاء فى ليلة عرفة ألف مرة وهي
عشر كلمات لم يسأل الله شيئا إلا أعطاه ما لم يدع بقطيعة رحم أومأثم، أولها
سبحان الذي فى السماء عرشه، سبحان الذي فى الأرض ملكه وقدرته،
سبحان الذي فى البر سبيله، سبحان الذي فى الهوى روحه، سبحان الذي فى
النار سلطانه، سبحان الذي فى الأرحام علمه، سبحان الذي فى القبور
قضاؤه، سبحان الذي رفع السماء بلا عمد، سبحان الذي وضع الأرض،
سبحان الذي لا ملجأ ولا منجأ منه إلا إليه.
__________
4( عشرة: )هكذا فى الأصل( والصحيح عشرا. (
وعن ابن عباس )رضي الله عنهما( أنه قال: قال رسول الله ذات يوم
لإبليس عليه اللعنة: كم أحباؤك من أمتي؟ قال: عشر نفر أولهم الإمام
الجائر، والمتكبر، والغني الذي لا يبالي من أين يكتسب المال وفى ماذا
ينفق، والعالم الذي صدق الأمير على جوره، والتاجر الخائن، والمحتكر،
والزاني، وآكل الربا، والبخيل الذي لا يبالي من أين يجمع المال، وشارب
الخمر مدمن عليها. ثم قال النبي صلي الله عليه وسلم: فكم أعداؤك من
أمتي؟ قال: عشرون نفرا أولهم أنت يا محمد فإني أبغضك، والعالم العامل
بالعلم، وحامل القرآن إذا عمل بما فيه، والمؤذن لله فى خمس صلوات،
ومحب الفقراء والمساكين واليتامى، وذو قلب رحيم، والمتواضع للحق،
وشاب نشأ فى طاعة الله تعالى، وآكل الحلال، والشابان متحابان فى الله،
والحريص على الصلاة فى الجماعة، والذي يصلى بالليل والناس نيام، والذي
يمسك نفسه عن الحرام، والذي ينصح )وفى رواية: يدعو للأخوان( وليس فى
قلبه شيء، والذي يكون أبدا على وضوء، وسخي، وحسن الخلق، والمصدق
ربه بما ضمن الله له، والمحسن إلى مستورات الأرامل، والمستعد للموت.
وقال وهب ابن منبه: مكتوب فى التوراة من تزود فى الدنيا صار يوم
القيامة آمنا من عذاب الله، ومن ترك الحسد صار يوم القيامة محمودا على
رؤوس الخلائق، ومن ترك حب الرياسة صار يوم القيامة عزيزا عند الملك
الجبار، ومن ترك الفضول فى الدنيا صار ناعما فى الأبرار ومن ترك الخصومة
فى الدنيا صار من الفائزين، ومن ترك البخل فى الدنيا صار مذكو را عند رؤوس
الخلائق، ومن ترك الراحة فى الدنيا صار يوم القيامة مسرورا، ومن ترك الحرام
فى الدنيا صار يوم القيامة فى جوار الأنبياء، ومن ترك النظر فى الحرام فى
الدنيا أفرح الله عينه يوم القيامة فى الجنة، ومن ترك الغنى فى الدنيا واختار
الفقر بعثه الله يوم القيامة مع الوليين والنبيين، ومن قام بحوائج الناس فى الدنيا
قضى الله تعالى حوائجه فى الدنيا والآخرة، ومن أراد أن يكون فى قبره مؤنس
فليقم فى ظلمة الليل وليصل، ومن أراد أن يكون فى ظل عرش الرحمن فليكن
زاهدا، ومن أراد أن يكون حسابه يسيرا فليكن ناصحا لنفسه وإخوانه، ومن
أراد أن يكون الملائكة زائرين ]به[ فليكن ورعا، ومن أراد أن يسكن فى
بحبوحة الجنة فليكن ذاكر الله بالليل والنهار، ومن أراد أن يدخل الجنة بغير
حساب فليتب إلى الله توبة نصوحا، ومن أراد أن يكون غنيا فليكن راضيا بما
قسم الله تعالى، ومن أراد أن يكون مع الله فقيها فليكن خاشعا، ومن أراد أن
يكون حكيما فليكن عالما، ومن أراد أن يكون سالما من الناس فلا يذكر أحدا
إلا بخير وليعتبر فيها ]الناس[ من أي شيء خلقت، ولماذا خلقت، ومن أراد
الشرف فى الدنيا والآخرة فليختر الأخرة على الدنيا، ومن أراد الفردوس
والنعيم الذي لا يفنى لا يضيع عمره فى فساد الدنيا، ومن أراد الجنة فى
الدنيا والآخرة فعليه بالسخاوة لأن السخي قريب إلى الجنة وبعيد من النار،
ومن أراد أن ينور قلبه بالنور التام فعليه بالتفكر والإعتبار، ومن أراد أن يكون
لديه بدن صابر ولسان ذاكر وقلب خاشع فعليه بكثرة الإستغفار للمؤمنين
والمؤمنات والمسلمين والمسلمات.
Untuk Pdf nya : http://www.slideshare.net/syamsul_noor/ni-44247344
Tidak ada komentar:
Posting Komentar