بسم الله الرحمن
الرحيم
الحمد
لله الذي اتصف بالكمالات، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي أيد بالمعجزات،
وعلى آله وصحبه الذين فعلوا الحسنات واجتنبوا المنكرات.
(أما بعد) فيقول المرتجي من ربه عفو الزلات
وقضاء الحاجات محمد نووي بن عمر قد طال تردد فكرى في تصحيح منظومة الشيخ زين الدين
بن علي بن أحمد وهي في داخل كتابه المشهور بشعب الإيمان المعربة المختصرة من شعب
الإيمان الفارسية للعلامة السيد نور الدين الايجي.
ثم لما انشرح صدري أردت أن أكتب عليها شرحا
نافعا لي ولأبناء جنسي ممن أراد فلاحا (وسميته قامع الطغيان على منظومة شعب
الإيمان) وأسأل الله الكريم أن ينفع به بمنه وكرمه إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة
جدير آمين.
( الحمد لله قـــد صيّرا إيمان
شخص ذا شعب فتتم )
أي أنشئ إقراري بالحمد معتقدا أن كل ثناء لله
والمراد بهذا البيت أن أعمال الإيمان ذوات أجزاء وخصال وهي التي تزيد أعمال
الإنسان بالإتيان بها وتنقص بترك شيئ منها وأما أصل الإيمان الذي هو التصديق فلا
ينقص لأنه لو نقص لكان شكا ولايصح الإيمان مع الشك
التعريف
بأصل صاحب الرسالة:
هذه الرسالة أبيات مأخوذة من كتاب الشيخ زين
الدين بن علي بن أحمد الشافعي الكوشني
الفناني المليباري ولذلك كان عدد ما في الأبيات مثل ما في النشر أي أن صاحب هذه
الرسالة ولد في كوشن من مدن مليبار بعد طلوع الشمس من يوم الخميس الثاني عشر من
شهر شعبان سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة ونقله عمه القاضي زين الدين بن أحمد إلى
فنان وهو صغير وله مصنفات كثيرة كهداية الأذكياء وتحفة الأحياء وإرشاد القاصدين في
اختصار منهج العابدين للغزالي.
( هذه بيوت من كتاب الكوشني * من قال بعد صلاتنا ونسلم )
( لمحمد ولآله
وصحابته * ما دار شمس في السماء
وأنجم )
أن الخصال المتفرعة عن الإيمان سبع
وسبعون كما قاله صلى الله عليه وسلم الإيمان بضع وسبعون شعبة فأفضلها قول لا إله
إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة
من الإيمان رواه المحدثون.
الشعبة الأولى
الإيمان بالله
الإيمان بالله هو أن نؤمن بأن الله تعالى
واحد لا شريك له فرد لا مثل له صمد لا ند له أزلي قائم أبدي دائم لا أول لوجوده
ولا آخر لأبديته قيوم لا يفنيه الأبد ولا يغيره الأمد بل هو الأول والآخر والظاهر
والباطن منزه عن الجسمية ليس كمثله شيئ. قال تعالى : ياآيها الذين آمنوا أمنوا
بالله و رسوله و الكتب الذي نزل علي رسوله و الكتب الذي انزل من قبل.
و حديث أبي هريرة رضي الله عنه : أمرت ان أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله
فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم من نفسه و ماله إلا بحقه و حسابه علي الله.
الشعبة
الثانية
الإيمان
بالملائكة
وذلك بأن تصدق بوجودهم وبأنهم عباد مكرمون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون
ما يؤمرون وهم أجسام لطيفة ذوات أرواح جعل الله لهم قوة على التشكل بأشكال مختلفة
حسنة. قال تعالى : و المؤمنون كل من آمن بالله و ملائكته و كتبه و رسله . و لحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الصحيحين في سؤال
جبرائيل " الايمان ان تؤمن بالله و ملائكته و كتبه و رسله.
الشعبة
الثالثة
الإيمان
بالكتب
وذلك بأن تصدق بأن ما أنزل الله على أنبيائه
من الكتب وحي من الله مشتمل على أحكامه وأخباره. قال تعالى : ياآيها الذين آمنوا
أمنوا بالله و رسوله و الكتب الذي نزل علي رسوله و الكتب الذي انزل من قبل .
الشعبة
الرابعة
الإيمان
بأنبيائه
وذلك بأن تؤمن بأن الأنبياء صادقون فيما
أخبروا به عن الله تعالى وأن منهم من أرسلهم إلى الخلق لهدايتهم وتكميل معاشهم
ومعادهم وأيدهم بالمعجزات الدالة على صدقهم فبلغوا عنه تعالى رسالاته وبينوا
للمكلفين ما أمروا ببيانه. قال تعالى : و المؤمنون كل آمن بالله و ملائكته و كتبه
و رسله.
الشعبة
الخامسة
الإيمان
بفناء العالم الدنيوي وباليوم الآخر
يجب على كل مكلف الإيمان بفناء العالم
الدنيوي العلوي والسفلى وباليوم الآخر مع ما اشتمل عليه من الجزاء والحساب
والميزان والـصراط والجـنة والنار.
الشعبة
السادسة
الإيمان
بيوم البعث
وهو أن نؤمن بأن الله يبعث الموتى سواء كانوا
مقبورين أوغرقي أو غير ذلك والمبعوث هو عين هذا البدن لا مثله إجماعا قال الله
تعالى: زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن. قال تعالى : قل لله
يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلي يوم القيامة لا ريب فيه .
و لحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الصحيح في حديث الايمان : الايمان ان تؤمن
بالله و ملائكته و كتبه و رسله وبالبعث من بعد الموت و بالقدر كله.
الشعبة
السابعة
الإيمان
بالقدر
وذلك بأن تعتقد أن
الله تعالى أوجد الأشياء على طبق ما سبق به علمه تعالى فجميع أفعال الخلق بتقدير
الله تعالى فينبغي للإنسان أن يرضي بكل ما يجري به القضاء. قال تعالى : قل كل من
عند الله .
و في الصحيحين
من حديث أبي هريرة رضي الله عنه و الذي نفس محمد بيده لتقومن الساعة و قد نشر
الرجلان ثوبهما بينهما لا يتبايعانه و لا يطوبانه و لتقومن الساعة و هو يليط خوضه
لا يسقيه و لتقومن الساعة و قد انصرف الرجل بلبن لقحته من تحتها و قد رفع اكلته
إلي فيه لا يطعمها. (الحديث). (ويحكى) عن الشيخ عفيف الدين الزاهد أنه كان
بمصر فبلغه ما وقع ببغداد من قتل الكفار للمسلمين حتى خربت بغداد ثلاث سنين ونصف
سنة بغير خليفة ومن تعليق الكفار المصاحف فى أعناق الكلاب والقائهم كتب الأئمة في
الدجلة حتى صارت كالجسر تمر الخيل عليها فأنكر ذلك وقال يارب كيف هذا وفيهم
الأطفال ومن لاذنب له فرأى فى المنام رجلا وفي يده كتاب فأخذه فإذا فيه هذان
البيتان من بحر المتقارب.
(دع الإعتراض فما الأمر لك
* ولا الحكم في حركات الفلك)
(ولا تسـأل الله عـن فعلـه
* فـمن خاض لجة بحر هلك)
الشعبة الثامنة
الإيمان بأن الخلائق يساقون إلى أرض
المحشر
وهو
أن نؤمن بأن الخلائق يساقون جميعا بعد البعث والنشور إلى أرض المحشر أي الموقف وهي
أرض بيضاء قاع صفصف لا فيها عوج ولا أمت ولا عليها ربوة يختفى الإنسان وراءها ولا
وهدة ينخفض عن الأعين فيها بل هو صعيد واحد بسيط لاتفاوت فيه يساقون إليه زمرا.
ومراتب الناس في الحشر متفاوتة فمنهم الراكب وهو المتقي ومنهم الماشي على رجليه
وهو قليل العمل ومنهم الماشي على وجهه وهو الكافر. ثم يصرف الناس من الموقف إلى
الجنة أو النار ويمرون على الصراط فأمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم على سبعة
أنواع الصديقون والعالمون والبدلاء والشهداء والحجاج والمطيعون والعاصون فالصديقون
يمرون على الصراط كالبرق الخاطف والعالمون كالريح العاصف والبدلاء كالطير في ساعة
يسيرة والشهداء كالفرس السابق يمرون في نصف نهار والحجاج يمرون في يوم كامل
والمطيعون في شهر والعاصون يضعون أقدامهم على الصراط وأوزارهم على ظهورهم فيعبرون
فتقصد نار جهنم احراقهم فترى نور الإيمان في قلوبهم فتقول جز يا مؤمن فإن نورك
أطفأ لهبي كما أفاده محمد الهمداني قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث الناس
حفاة عراة غرلا قد ألجمهم العرق وبلغ شحوم الآذان.
لحديث ابن عمر رضي الله عنه في صحيح مسلم : يقوم الناس يوم القيامة لرب العالمين
حتى يغيب أحدهم في رسحه إلي أنصاف أذانيه. و قال تعالى ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون
ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين .
الشعبة التاسعة
الإيمان بالجنة
وهو
أن نؤمن بأن الجنان دار خلود لمسلم وهو من مات على الإسلام وأن تقدم منه كفر. ودخل
في المسلم العصاة فمرجعهم ودار خلودهم الجنان فلا يخلدون في النار إن دخولها بل لا
يدوم عذابهم فيها مدة بقائهم لأنهم يموتون بعد الدخول بلحظة ما يعلم الله مقدارها
فلا يحيون حتى يخرجوا منها. والمراد بموتهم أنهم يفقدون إحساس ألم العذاب لأنهم
يموتون موتا حقيقيا بخروج الروح. والإيمان بأن جهنم وهو إسم لمجموع النيران دار
خلود لكافر وهو من مات على الكفر وإن عاش طول عمره على الإيمان ودخل في الكافر من
بالغ في النظر فلم يصل إلى الحق وترك التقليد الواجب عليه ولا يدخل فيه أطفال
المشركين بل هم في الجنة على الصحيح ولا فرق في المسلم والكافر بين الإنس والجن.
قال تعالى : بلى من كسب سيئة و أحاطت به خطيئته فاولئك أصحاب النار هم فيها خالدون
. و الذين آمنوا و عملوا الصالحات اولئك اصحاب الجنة هم فيها خالدون.
و لحديث ابن عمر رضي الله عنهما في الصحيحين : إن احدكم إذا مات عرض عليه مقعده
بالغداة و العشي ان كان من أهل الجنة فمن اهل الجنة و ان كان من أهل النار فمن اهل
النار يقال هذا مقعدك حتى يبعثك الله تعالى إليه يوم القيامة.
الشعبة
العاشرة
محبة
الله تعالى
قال سهل علامة حب الله حب القرآن وعلامة
حبهما حب النبي وعلامة حبها صلى الله عليه وسلم حب السنة وعلامة حبها حب الآخرة
وعلامة حبها بغض الدنيا وعلامة بغضها أن لا يأخذ منها إلا زادا وبلغة إلى الآخرة.
وقال حاتم بن علوان قدس سره من ادعى ثلاثا
بغير ثلاث فهو كذاب من ادعى حب الله تعالى من غير ورع عن محارمه فهو كذاب. ومن
ادعى محبة النبي من غير محبة الفقر فهو كذاب ومن ادعى حب الجنة من غير إنفاق ماله
فهو كذاب. وقال بعض العارفين إذا كان الإيمان في ظاهر القلب أحب الله تعالى حبا
متوسطا فإذا دخل سويداء القلب أحبه الحب البالغ وترك المعاصي وبالجملة في دعوى
المحبة خطر فلذلك قال الفضيل إذا قيل لك أتحب الله تعالى فاسكت فإنك إن قلت لا
كفرت وإن قلت نعم فليس وصفك وصف المحبين.
قال تعالى : و من الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله و الذين
آمنوا أشد حبا لله.
و لحديث أنس بن ملك رضي الله عنه في الصحيحين ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الايمان ان
يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما و ان يحب المرء لا يحبه إلا لله و ان يكره
ان يعود في الكفر كما يكره ان توقد له نار فيقذ فيها.
الشعبة
الحادية عشرة
الخوف
من عذاب الله
وأقل درجات الخوف أن يمتنع عن المخطورات
ويسمى ذلك ورعا فإن زادت قوته كف عما لا يتيقن تحريمه ويسمى ذلك تقوى فإذا انضم
إليه التجرد للخدمة فصار لا يبنى ما لا يسكنه ولا يجمع ما لا يأكله ولا يلتفت إلى
دنيا ويعلم أنها تفارقه ولا يصرف إلى غير الله تعالى نفسا من أنفاسه فهو الصدق
ويسمى صاحبه صديقا ويدخل في الصدق التقوى ويدخل في التقوى الورع ويدخل في الورع
العفة كذا قاله الغزالي في الإحياء. قال تعالى : فلا يخافوهم يخافون إن كنتم
مؤمنين.
و قال تعالى : فلا تخشوا الناس و اخشون.
و قال تعالى : و إياي فارهبون.
و قال تعالى : و لمن خاف مقام ربه جنتان. و لحديث عدي بن حاتم رضي الله عنه في الصحيحين
: اتقوا النار و لو بشق تمرة. و لحديث آنس رضي الله عنه: لو تعلمون ما اعلم لضحكتم
قليلا و لبكيتم كثيرا.
الشعبة
الثانية عشرة
الرجاء
لرحمة الله تعالى
قال الله تعالى: قل يا عبادي
الذين أسرفوا على أنفسهم لاتقنطوا من رحمة الله،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاجر الراجي لرحمة الله تعالى أقرب إلى الله
تعالى من العابد المقنط. وروي عن عمر عن زيد بن أسلم أن رجلا كان في الأمم الماضية
يجتهد في العبادة ويشدد على نفسه ويقنط الناس من رحمة الله تعالى ثم مات فقال يارب
مالي عندك فقال لك النار فقال يا رب فأين عبادتي واجتهادي فقال إنك تقنط الناس من
رحمتي في الدنيا فأنا أقنطك اليوم من رحمتي. وحقيقة الرجاء هو ارتياح القلب
لانتظاره ما هو محبوب عنده ولكن ذلك المحبوب المتوقع لابد وأن يكون بسبب فإن
انخرمت أسبابه فهو الغرور والحمق وإن لم تكن الأسباب معلومة الوجود ولامعلومة
الإنتفاء فهو التمني فإذا خطر ببالك موجود فيما مضى سمي تذكرا وإن كان ما خطر
ببالك موجودا في الحال سمي وجدا وذوقا وإدراكا وإن كان قد خطر ببالك وجود شيئ في
الإستقبال وقلب ذلك على قلبك سمي إنتظارا وتوقعا فإن كان المنتظر مكروها حصل منه
ألم في القلب سمي خوفا وإشفاقا وإن كان محبوبا حصل من انتظاره لذة في القلب
وإرتياح يسمى ذلك الإرتياح رجاء كذا في الإحياء. قال تعالى : و يرجون رحمته و
يخافون عذابه.
و قال تعالى : إن رحمة الله قريب من المحسنين. و لحديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين :
لو يعلم المؤمنون ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته أحد و لو يعلم الكافر ما
عند الله من الرحمة ما قنط من جنته أحد. و لحديث جابر في صحيح مسلم : لا يموتن
أحدكم إلا و هم يحسن الظن بالله. و لحديث ابي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين :
يقول الله عز و جل إنا عند الظن عبدي و أنا معه حين يذكرني و ذكر الحديث.
الشعبة
الثالثة عشرة
قال الله تعالى: فتوكلوا إن كنتم مؤمنين.
والتوكل ثلاث درجات (الأولى) أن يكون حاله في حق الله تعالى وفي الثقة بكفالته
وعنايته كحاله في الثقة بالوكيل (الثانية) أن يكون حاله مع الله تعالى كحال الطفل
في حق أمه فانه لا يعرف غيرها ولايفزع إلى أحد سواها ولايعتمد إلا إياها فإن رآها
تعلق بها في كل حال وإن نابه أمر في غيبتها كان أول سابق إلى لسانه يا أماه وأول
خاطر على قلبه أمه فانه قد وثق بكفالتها وشفقتها ثقة تامة (الثالثة) أن يكون بين
يدي الله في حركاته وسكانته مثل الميت بين يدي الغاسل لا يفارقه إلا أن يرى نفسه
ميتا تحركه القدرة الأزلية كما تحرك يد الغاسل وهو الذي قوي إيمانه بأنه تعالى مجر
للحركة وهذا أعلى الدرجات والأولى أدناه والثانية أقوى من الأولى. قال تعالى : و
علي الله فليتوكل المؤمنون.
و قال تعالى و من يتوكل علي الله فهو حسبه ان الله بالغ امره. و لحديث الزبير رضي الله عنه لأن يأخذ جبله ثم
يأتي الجبل فيأتي بحزمة من خطب علي ظهره فيتبيعها فيستغنى بها خير له من ان يسأل
الناس اعطوه او منعوه. و في صحيح البخاري من حديث المقدام بن معديكرب رضي الله عنه
ما أكل أحد طعاما قط خير من أن يأكل من عمل يديه
قال و كان داود لا يأكل إلا من عمل يديه.
الشعبة
الرابعة عشرة
محبة
النبي محمد صلى الله عليه وسلم
قال رسول الله: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب
إليه من نفسه وماله وولده ووالده والناس أجمعين والمراد بالناس غير هؤلاء
المذكورين من القرابة والمعارف والجيران والأصحاب وغيرهم وحب الرسول هو عين حب
الله تعالى وكذلك حب العلماء والأتقياء لأن الله تعالى يحبهم وهم يحبونه وكل ذلك
يرجع إلى حب الأصل فلا يتجاوزه إلى غيره فلا محبوب بالحقيقة عند ذوي البصائر إلا
الله تعالى ولا مستحق للمحبة سواه. و لحديث أنس في صحيحين ثلاث من كن فيه وجد بهن
حلاوة الايمان ان يكون الله و رسوله أحب إليه مما سواهما. قال جاء رجل إلي النبي
صلي الله عليه و سلم : يا رسول الله متى الساعة ؟ فقال ما أعددت لها فقال ما أعددت
لها كثير صيام و لا صدقة إلا أنى أحب الله و رسوله قال أنت مع من أحببت.
الشعبة
الخامسة عشرة
تعظيم
قدر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
والتعظيم بأن يعرف علو قدره ويراعى الأدب عند
ذكره وسماع إسمه وحديثه ويكثر الصلاة والسلام عليه ويعتني في إتباع سنته قال
تعالى" لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي.
و قال تعالى : و تعزروه و توقروه.
و قال تعالى : فالذين آمنوا به و و عزروه و نصروه. و قال تعالى : لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم
كدعاء بعضكم بعضا .
الشعبة
السادسة عشرة
البخل
بدين الإسلام
كأن يكون القتل والإدخال في النار أحب إليه
من الدخول في الكفر ويعرف أن دينه أعز عليه من جميع أولاده وأمواله.
(حكي) أن عمر ابن عبد العزيز في وقت خلافته أرسل جماعة إلى الروم لأجل
الغزو فانهزموا وأسر عشرون شخصا منهم وأمر قيصر الروم واحدا منهم أن يدخل في دينه
ويعبد الصنم وقال إن دخلت في ديني وسجدت للصنم أجعلك أميرا في بلدة عظيمة وأعطك
العلم والخلع والكؤوس والبوق وإن لم تدخل في ديني أقتلك وأضرب عنقك بالسيف فقال لا
أبيع الدين بالدنيا فأمر بقتله فقتل في الميدان وضرب عنقه بالسيف فدار رأسه في
الميدان وكان يقرأ هذه الآية: يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية
مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي. فغضب قيصر وأخذ الثاني وقال ادخل في ديني
أجعلك أميرا في مصر كذا وإلا أقطع عنقك كما قطعت عنق صاحبك فقال لا أبيع الدين
بالدنيا فإن كان لك ولاية قطع الرأس فليس لك ولاية قطع الإيمان فأمر بقطع رأسه
فقطع ودار كما دار رأس صاحبه ثلاث مرات وكان الرأس يقول هذه الآية: فهو في عيشة
راضية في جنة عالية قطوفها دانية. فوقف عند رأس الأول فغضب قيصر غضبا شديدا
وأمر أن يأخذ الثالث وقال ما تقول أنت هل تدخل في ديني وأجعلك أميرا فأدركته
الشقاوة وقال دخلت في دينك واخترت الدنيا على الآخرة فقال قيصر لوزيره اكتب له
مثالا واعطه خلعا وكؤوسا وعلما فقال وزيره يا ملك كيف أعطيه بغير تجربة فقال
الوزير قل له إن كنت صادقا في كلامك فاقتل رجلا من أصحابك نصدق كلامك فأخذ الملعون
واحدا من أصحابه فقتله فأمر الملك الوزير أن يكتب له المثال فقال الوزير للملك هذا
ليس من العقل أن تصدق كلامه فانه ما رعى حق أخيه الذي ولد معه ونشأ معه فكيف يرعى
حقنا فأمر بقتله فقطع رأسه ودار في الميدان ثلاث مرات وكان الرأس يقرأ هذه الآية: أفمن
حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار. فوقف في طرف الميدان ولم يحضر
عند الرأسين فصار إلى عذاب الله نعوذ بالله من الضلال.
الشعبة
السابعة عشرة
طلب
العلم
عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: من تعلم بابا من العلم ينتفع به في آخرته ودنياه كان خيرا له من
عمر الدنيا سبعة آلاف سنة صيام نهارها وقيام ليالها مقبولا غير مردود. وعن معاذ بن
جبل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعلموا العلم فإن تعلمه لله حسنة
ودراسته تسبيح والبحث عنه جهاد وطلبه عبادة وتعليمه صدقة وبذله لأهله قربة والفكر
في العلم يعدل الصيام ومذاكرته تعدل القيام. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
اطلب العلم ولو بينك وبينه بحر من نار، وقال صلى الله عليه وسلم: اطلب العلم من
المهد إلى اللحد أي إن تعلم العلم فرض في جميع الأوقات والحالات. و في حديث عبد
الله بن عمرو رضي الله عنه في الصحيحين : إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من
الناس و لكن يقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا
فأفتوا بغير علم فضلوا و أضلوا.
وقال بعض السلف العلوم أربعة الفقه للأديان
والطب للأبدان والنجوم للأزمان والنحو للسان (واعلم) أن تحصيل العلم على نوعين كسبي
وسماعي فالكسبي هو العلم الحاصل بمداومة الدرس والقراءة على الأستاذ، والسماعي هو
التعلم من العلماء بالسماع في أمور الدين والدنيا وهذا لا يحصل إلا بمحبة العلماء
والإختلاط معهم والمجالسة لهم والإستفسار منهم.
ويجب على المتعلم أن ينوي بتحصيل العلم رضا
الله تعالى والدار الآخرة وإزالة الجهل عن نفسه وعن سائر الجهال وإحياء الدين
وإبقاء الإسلام بالعلم وينوي به الشكر على نعمة العقل وصحة البدن ولا ينوي به
إقبال الناس إليه واستجلاب متاع الدنيا والإكرام عند السلطان وغيره.
قال تعالى : يرفع الله الذين آمنوا منكم و الذين أوتوا العلم درجات و الله بما
تعملون خبير. و قوله هل يستوى الذين يعلمون و الذين لا
يعلمون إنما يتذكر أولوا الالباب.
الشعبة
الثامنة عشرة
نشر
العلم الشرعي
قال صلى الله عليه وسلم ليبلغ الشاهد منكم
الغائب
أي يجب على السامع ما أقول منكم أن يبلغه من لم يسمعه وهذا الحديث خطاب للصحابة ثم
لمن بعدهم إلى يوم القيامة فيجب التبليغ على أهل العلم فكل من تعلم مسئلة واحدة
فهو من أهل العلم بها وكل عامي عرف شروط الصلاة فعليه أن يعرف غيره وإلا فهو شريكه
في الإثم.
ويجب في كل مسجد ومحلة من البلد فقيه يعلم
الناس ويفهمهم وكذا في كل قرية ويجب على كل فقيه فرغ من فرض عينه على سبيل فرض
الكفاية أن يخرج إلى من يجاور بلده ويعلمهم دينهم وفرائض شرائعهم ويستصحب مع نفسه
زادا يأكله ولا يأكل من أطعمتهم فإن قام به واحد سقط الحرج عن الباقين والاعم
الحرج الكافة أجمعين. أما العالم فلتقصيره في الخروج إلى ذلك البلد وأما الجاهل
فلتقصيره في ترك التعلم هكذا قال أحمد السحيمي نقلا عن الغزالي.
ثم اعلم أن العالم الآخرة ثلاث علامات (احداها)
أن لايطلب الدنيا بعلمه، (والثانية) أن يقصد بالإشتغال بالعلوم السعادة
الأخروية فيكون مهتما بعلم الباطن لسياسة القلب (والثالثة) أن يكون معتمدا
في علومه على التقليد لصاحب شريعة في أقواله وأفعالهز
ثم إن لعدم طلب الدنيا بالعلم خمس علامات (الأولى)
أن لا يخالف قوله ما يفعله فيكون هو أول فاعل للمأمورات وتارك للمنهيات (والثانية)
أن يعتني بالعلم على حسب طاقته ويرغب في الطاعة ويتوقى عن علم يكثر الجدال (والثالثة)
أن يجتنب ترفه طعام ومسكن وأثاث ولباس (والرابعة) أن ينقبض عن مخالطة
السلطان إلا للنصح له أو للدفع مظلمة أو للشفاعة في مرضاة الله تعالى (والخامسة)
أن لايسارع إلى الفتوى بل يقول اختياطا اسأل من يكون أهلا للفتوى وأن يمتنع عن
الإجتهاد اذا لم يتعين عليه بل يقول لا أدري إذا لم يسهل الإجتهاد عليه. قال تعالى
: لتبيننه للناس ولا تكتمونه.
و قوله و ليندروا قومهم إذا رجعوا إليهم.
و لحديث الحارث المحاسبي العلم يورث الخشية و الزهد يورث الراحة و المعرفة تورث
الانابة. و عن الحسن البصري قال أنه مر عليه رجل فقيل هذا فقيه فقال أو تدرون من
الفقيه ؟ إنما الفقيه العالم في دينه الزاهد في دنياه القائم علي عبادة ربه.
الشعبة
التاسعة عشرة
تعظيم
القرآن واحترامه
فمن ذلك أن يقرأه وهو على طهارة وأن لا يمسه
إلا طاهرا وأن يستاك ويتخلل عند إرادة قراءته وأن يستوي لقرائته قاعدا إن كان في
غير صلاة ولا يكون متكئا وأن يلبس ثياب التجمل لأنه مناج ربه وأن يستقبل القبلة
لقراءته وأن يتمضمض كلما تنخع وأن يمسك عن القراءة إذا تثاءب وأن يقرءه على تؤدة
وترتيل وأن يؤدي لكل حرف حقه من الأداء وأن لا يترك الصحيفة منثورة إذا وضعها وأن
لا يضع فوقه شيئا من الكتب حتى يكون أبدا عاليا على سائر الكتب وأن يضعه في حجره
إذا قرأه أو على شيئ بين يديه ولا يضعه بالارض وأن لا يمحوه من اللوح بالبزاق بل
يغسله بالماء وأن لا يتخذ الصحيفة إذا بليت ودرست وقاية للكتب فإن ذلك جفاء عظيم
ولكن يمحوها بالماء وأن لا يقرأ في الأسواق ولا في مواطن اللغط واللغو ومجمع
السفهاء وأن لا يصب غسالته على كناسة إذا اغتسل بكتابته مستشفيا من سقم ولا في
موضع نجاسة ولا على موضع يوطأ ولكن على ناحية من الأرض في بقعة لايطؤها الناس أو
يحفر حفيرة في موضع طاهر حتى يصب من جسده في تلك الحفيرة ثم يكسبها أو في نهر كبير
يختلط بمائه فيجري وأن يسمي الله على كل نفس إذا كتبه أو شربه ويعظم النية في ذلك
فإن الله يؤتيه على قدر نيته. قال تعالي : لو انزلنا هذا القرآن علي جبل لرأيته
خاشعا متصدعا من خشية الله. و قال تعالى : انه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا
يمسه إلا المطهرون. و قال النبي صلي الله عليه وسلم فيما رواه
البخاري عن عثمان رضي الله عنه أفضلكم أو خيركم من تعلم القرآن و علمه الناس. و عن
عبد الله بن عمر عن النبي صلي الله عليه و سلم قال لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه
الله هذا الكتاب فقام به آناء الليل و النهار و رجل آتاه الله ملا فهو يتصدق به
آناء الليل و النهار.
الشعبة
العشرون
الطهارة
قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا
قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى
الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من
الغائط أولامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم
منه.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الطهور
شطر الإيمان و الحمد لله تملاء الميزان و سبحان الله و الله أكبر تملئان أو تملاء
ما بين السماء و الارض و الصلاة نور و الصدقة برهان و الصبر ضياء و القرآن حجة لك
أو عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها. و لحديث ابن عمر رضي الله
عنهما في صحيح مسلم ايضا لا يقبل الله عز و جل صلاة بغير طهور و لا صدقة من غلول.
و قال عمر رضي الله عنه ان الوضوء الصالح يطرد عنك الشيطان. ثم قال السحيمي الطهور بضم الطاء أي الوضوء
الظاهري والباطني نصف الإيمان باعتبار الثواب. قال حاتم لعاصم بن يوسف إذا حضر وقت
الصلاة توضأ وضوأين وضوء الظاهر ووضوء الباطن قال عاصم كيف ذلك قال أما وضوء
الظاهر فتعلم وأما وضوء الباطن فالتوبة والندامة وترك الغل والغش والشك والكبر
وترك حب الدنيا وثناء الخلق والرياسة.
الشعبة
الحادية والعشرون
إتيان
الصلوات الخمس في أوقاتها
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :علم
الإيمان الصلاة فمن فرغ لها قلبه وحافظ عليها بحدودها فهو مؤمن. وسئل رسول الله عن
علامة المؤمن والمنافق فقال إن المؤمن همته في الصلاة والصيام والعبادة والمنافق
همته في الطعام والشراب كالبهيمة. قال تعالى : إن الصلوة كانت علي المؤمنين كتابا
موقوتا. و قال و أقيموا الصلوة و آتوا الزكاة.
عن ابن مسعود رضي الله عنه في الصحيحين قال سألت النبي صلي الله عليه وسلم أي
الاعمال أحب إلي الله قال الصلاة لوقتها قلت ثم أي ؟ قال بر الوالدين ثم أي ؟ قال
الجهاد في سبيل الله. و حديث ابن عمر فيهما صلاة الجماعة افضل من صلاة الفذ بسبع و
عشرين درجة.
الشعبة
الثانية والعشرون
أداء
الزكاة لمستحقيها بنية مخصوصة
وهي أن ينوي الشخص بقلبه زكاة الفرض وليس
عليه تعيين الأموال فإذا ملك نصابا من الذهب والفضة والمواشى والحبوب والثمار
والنخل والكرم وجب عليه أن يدفع زكاتها للأصناف الثمانية أو الموجودين منهم
كالفقراء والمساكين والمسافرين الذين يحتاجون لمؤنة السفر والذين ارتكبتهم الديون. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما خالطت
الزكاة مالا قط إلا أهلكته. و حديث أبي هريرة رضي الله عنه في صحيح البخاري : من
آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل ماله يوم القيامة سبحاعا أقرع له زبيبتان يطوفه
يوم القيامة ثم يأخذ بلهز ميته ثم يقول : انا مالك أنا كنزك. قال تعالى : وما
أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء و يقيموا الصلاة و يؤتوا الزكاة
وذلك دين القيمة.
وقوله تعالى : يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكون بها جباههم و جنوبهم هذا ما كنز
ثم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون.
الشعبة
الثالثة والعشرون
صوم
رمضان
وذالك بأن يترك سائر المفطرات في أيامه بنية
في الليل لطاعة المولى من الفجر إلى غروب الشمس مع سلامة من الحيض والنفاس
والولادة في جميع اليوم ومن الأغماء والسكر في بعضه كالأكل والشرب والجماع وشرب
الدخان المعروف فإذا أكل أو شرب ناسيا فصومه صحيح وإنما أطعمه الله وسقاه كما قاله
السحيمي فى لباب الطالبين. قال تعالى : كتب عليكم الصيام كما كتب علي الذين من
قبلكم.
و حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر
أمثالها إلي سبعمائة ضعف قال الله عز و جل إلا الصوم فإنه لي و أنا أجزي به يدع
طعامع و سهوته من أجلي للصائم فرحتان فرحة عند فطره و فرحة عند لقاء ربه و لخلوف
فم الصائم اطيب عند الله من ريح المسك الصوم جنة.
الشعبة
الرابعة والعشرون
الإعتكاف
وهو اللبث بمسجد بنيته يسن كل وقت ولو وقت
كراهة لكن يحرم إعتكاف المرأة والرقيق إلا بإذن الزوج والسيد وإن صح وللزوج والسيد
إخراجهما منه وأركانه أربعة أولها النية مقترنة باللبث فلا تكفى حال دخوله وهو
سائر وتجب نية الفرضية أو النذر في الإعتكاف المنذور ثانيها مسجد خالص فلا يكفى
المشاع بخلافه في التحية وثالثها لبث قدر يسمى عكوفا أي إقامة ولو بلا سكون بحيث
يكون زمنها فوق زمان الطمأنينة فلا يكفي التردد لا المرور فيه بلا لبث و لو نذر
اعتكافا مطلقا كفاه لحظة فوق الطمأنينة في الركوع و نحوه. ورابعها معتكف وشرطه
إسلام وعقل وخلو عن حدث أكبر فلا يصح إعتكاف من اتصف بضد شيئ منها نعم إن طرأ
الأغماء في أثناء الإعتكاف لم يبطل ويحسب منه زمن الأغماء وينقطع الإعتكاف كتتابعه
بالردة والسكر إذا تعدى به. قال تعالى : و عهدنا إلى ابراهيم و اسماعيل أن طهر
بيتى للطائفين و العاكفين و الركع السجود. لحديث عائشة في الصحيحين أن النبي صلي الله
عليه و سلم كان يعتكف العشر الأواخر من مضان حتى توفاه الله ثم اعتكف ازواجه بعده.
و لما روى عن النبي صلي الله عليه و سلم قال : من اعتكف فواق ناقة فكأنما أعتق
نسمة او رقبة.
والشعبة
الخامسة والعشرون
الحج
وهو قصد البيت بحج أو عمرة إن كان قادرا بأن
يجد زادا وراحلة والحج عبادة يلزمها وقوف بعرفة يوم تاسع ذي الحجة أوليلة عاشره
وطواف ذي طهر بالبيت سبعا يقينا يدخل وقته بإنتصاف ليلة النحر ولا آخر لوقته وسعي
بين الصفا والمروة. قال تعالى: و لله علي الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا. و قال و أذن في الناس بالحج يأتوك رجالا و علي
كل ضامر يأتين من كل فج عميق.
الشعبة
السادسة والعشرون
الجهاد
أعني الجهاد مع الكفار لنصرة الدين وكان في
ابتداء الإسلام أفضل الأعمال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأس الأمر الإسلام
وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد.
ومعنى هذا الحديث كما قاله السحيمي أصل شأن
الدين
النطق بالشهادتين مع
الإذعان لمعناهما فلا يصح شيئ من الأعمال إلا بالإسلام والذى يرتفع به الدين فعل الصلوات
الخمس وأعلى شيئ في الدين بذل الجهاد في قتال الكفار لنصرة الإسلام ومعنى السنام
في الأصل ما ارتفع من ظهر الجمل قرب عنقه.
ويصح أن يراد بالجهاد في الحديث مجاهدة النفس
بأن يكفها عن الشهوات ويمنعها عن الإسترسال في اللذات ويلزمها فعل الأوامر واجتناب
النواهي وهذا هو الجهاد الأكبر وهو أفضل من جهاد الكفار.
قال تعالى : و جاهدوا في الله حق جهاده.
و قال يجاهدون في سبيل الله و لا يخافون لومة لائم.
و قال ياآيها النبي حرض المؤمنين علي القتال.
و لحديث ابي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين سئل رسول الله صلي الله عليه و سلم أي
الاعمال أفضل ؟ قال الايمان بالله و رسوله فقيل ثم ماذا ؟ قال الجهاد في سبيل الله
قيل ثم ماذا ؟ قال حج مبرور.
الشعبة
السابعة والعشرون
المرابطة
وهي ملازمة المحل الذي بين المسلمين والكفار
لحراسة المسلمين ولو اتخذه وطنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رباط يوم في
سبيل الله خير من الدنيا وما عليها. وقال صلى الله عليه وسلم من مات مرابطا في
سبيل الله أمن من الفزع الأكبر. وهو أن يؤمر به إلى النار. قال تعالى : يا آيها
الذين آمنوا اصبروا و صابروا و رابطوا و اتقوا الله .
الشعبة
الثامنة والعشرون
الثبات
في محاربة الأعداء وعدم الفرار منها
قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا
لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون. أي إذا حاربتم جماعة كافرة
فاثبتوا لقتالهم ولا تنهزموا واذكروا الله وكبروه حال القتال لكي تفوزوا بمرادكم
من النصر والثواب. و قال تعالى : إذا لقيتم فئة قاثبتوا. و قال : و إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا
تولوهم الأدبار.
و لحديث عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما في صحيح البخاري لا تتمنوا لقاء
العدو و سلوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا و اعلموا ان الجنة تحت ظلال
السيوف.
الشعبة
التاسعة والعشرون
أداء
خمس الغنيمة إلى الإمام أو نائبه
ويؤدي خمس الغنيمة إلى الإمام أو نائبه لكي
يفرقه ويبدأ وجوبا من الغنيمة بالسلب للقاتل المسلم ثم يخمس باقيها فأربعة أخماسه
لمن حضر الوقعة بنية القتال وإن لم يقاتل وللجيوش وإن لم تشهدها الراجل سهم
وللفارس سهمان والخمس الباقي يخمس سهم لمصالح المسلمين كسد الثغور وعمارة الحصون
ثم ارزاق القضاة والعلماء والأئمة والمؤذنين وسهم لذوي القربي وهم بنوهاشم وبنو
المطلب للذكر مثل حظ الأنثيين وسهم لليتامى وسهم للمساكين والفقراء وسهم لإبن
السبيل.
قال تعالى: واعلموا أنما غنمتم من شيئ فان لله خمسه و للرسول و لذي القربى و
اليتامى و المساكين و ابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله.
و قال : و ما كان لنبي ان يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة.
الشعبة
الثلاثون
عتق
الرقبة المؤمنة
ويعتق الرقبة المؤمنة ولو بتبعية لأصل أودار
أو ساب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أعتق رقبة مسلمة سليمة أعتق الله بكل
عضو منها عضوا منه من النار حتى فرجه بفرجه.
رواه مسلم.
الشعبة
الحادية والثلاثون
الكفارة
وهي أربعة خصال كفارة ظهار وكفارة قتل وكفارة
جماع نهار رمضان عمدا وكفارة يمين وواجب الثلاثة الأول إعتاق رقبة مؤمنة سليمة عن
عيب يخل بالعمل فإن عجز عن الرقبة وجب صوم شهرين متتابعين وينقطع التتابع بالإفطار
ولو بعذر إلا نحو حيض فان عجز عن صوم الشهرين وجب إطعام ستين مسكينا لكل منهم مد
من غالب قوت البلد إلا في القتل فلا إطعام فيه وواجب الأخيرة وهي كفارة اليمين
إطعام عشرة مساكين لكل منهم مد من غالب قوت البلد أو كسوتهم أو تحرير رقبة مؤمنة
فإن عجز عن ذلك وجب صوم ثلاثة أيام ولو متفرقة.
الشعبة
الثانية والثلاثون
الوفاء
بالوعد
قال الله تعالى: ياأيها الذين آمنوا أوفوا
بالعقود. وقال تعالى: وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا. وقال : و
اوفوا بعهد الله إذا عاهدتم و لا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: العدة عطية. وقال صلى الله عليه وسلم: العدة
دين. وقال أيضا: ثلاثة في المنافق: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان.
والمعنى إذا اجتمع هذه الثلاث في مسلم فحاله يشبه حال المنافقين كما أفاده
العزيزي. أو حديث عبد الله بن عمروا رضي الله عنه في الصحيحين : أربع من كن فيه
كان منافقا خالصا و من كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها :
إذا حدثت كذب و إذا عاهد غدر و إذا وعد أخلف و إذا خاصم فجر.
الشعبة
الثالثة والثلاثون
الشكر
قال الله تعالى: فاذكروني اذكركم واشكروا لي
ولا تكفرون. وقال تعالى: و إن تعدوا نعمة الله لا تحصوها.
و قال تعلى: و أما بنعمة ربك فحدث.
وقال تعالى: ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم. وقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: أربع خصال من كن فيه كمل إسلامه ولو كان له من قرنه إلى قدمه خطايا الصدق
والشكر والحياء وحسن الخلق. والشكر ينتظم من علم وحال وعمل فالعلم هو معرفة النعمة
من المنعم والحال هو الفرح الحاصل بإنعام المنعم والعمل هو القيام بما هو مقصود
المنعم ومحبوبه قال الشبلي الشكر رؤية المنعم لارؤية النعمة وقال بعضهم شكر العامة
على المطعم والمشرب والملبس وشكر الخاصة على واردات القلوب. و حديث صهيب رضي الله
عنه في صحيح مسلم : عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن إن
اصابته سراء شكر فكان خيرا له و إن اصابته ضراء صبر فكان خيرا له.
الشعبة
الرابعة والثلاثون
حفظ
اللسان
عما لا ينبغي
قال الله تعالى: ما يلفظ من قول إلا لديه
رقيب عتيد. وقال تعالى: ياآيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصديقين.
وقال تعالى: ان الذين يفترون علي الله الكذب لا يفلحون.
و لحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في الصحيحين: إن الصدق يهدي إلي البر و إن
البر يهدي إلي الجنة و إن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا وإن الكذب يهدي إلي
الفجور و إن الفجور يهدي إلي النار و إن الرجل ليكذب حتى بكتب عند الله كذابا.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: قيم الدين الصلاة وسنام العمل الجهاد وأفضل أخلاق الإسلام الصمت حتى يسلم الناس.
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أوليصمت: وقال الشافعي إذا
أراد أحدكم الكلام فعليه أن يفكر في كلامه فإن ظهرت المصلحة تكلم وإن شك لم يتكلم
حتى تظهر ومن كلام الحكماء من نطق في غير خير فقد لغا ومن نظر في غير إعتبار فقد
سها ومن سكت في غير فكر فقد لها وقال حكيم إذا أعجبك الكلام فاصمت وإذا أعجبك
الصمت فتكلم.
الشعبة
الخامسة والثلاثون
فمن ذلك الزنا واللواط والمساحقة والمفاخذة
فاللواط
هو إدخال الذكر في
الدبر والمساحقة هو أن تفعل المرأة مع مثلها في فرجها والمفاخذة هي أن يفعل الرجل
مع مثله في الفخذ قال الله تعالى: ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا.
وقال تعالى: أتأتون الذكران من العالمين. وقال تعالى: أئنكم لتأتون
الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون. وقال النبي صلى الله عليه
وسلم: إن الله لايستحيي من الحق لاتأتوا النساء في أدبارهن. أي إن الله لا يأمر
بالإستحياء من بيان الحق.
وحديث ابي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين : لا يزنى الزانى حين يزنى و هو مؤمن و
لا يسرق السارق حين يسرق و هو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشرب و هو مؤمن.
الشعبة
السادسة والثلاثون
أداء
الأمانة إلى مستحقها
قال الله تعالى: إن الله يأمركم أن تؤدوا
الأمانات إلى أهلها.
وقال تعالى : فليؤد الذي ائتمن أمانته
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ثلاث من كن فيه أو واحدة منهن فليتزوج من الحور
العين حيث شاء رجل ائتمن على أمانة فأداها مخافة الله عز وجل ورجل خلى عن قاتله
ورجل قرأ في دبر كل صلاة قل هو الله أحد إحدى عشرة مرة رواه ابن عساكر.
ومعنى هذا الحديث إذا اجتمع ثلاث خصال في شخص
أو خصلة واحدة فقط فليتزوج من الحور ما أراد من العدد خصلة رجل ائتمن على أمانة
فأداها مخافة عقاب الله إن هو خان فيها وخصلة رجل عفا عن قاتله قبل موته أو عفا عن
قائله مورثة وخصلة رجل قرأ الصمدية بكمالها إحدى عشرة مرة بعد كل مكتوبة. وحديث
ابي هريرة رضي الله عنه أد الامانة إلي من ائتمنك ولا تخن من خانك. و حديث : ثلاث
من كن فيه فهو منافق و ان صام و صلى و زعم و أنه مسلم إذا حدث كذب و إذا وعد أخلف
و إذا ائتمن خان.
الشعبة
السابعة والثلاثون
ترك قتل آدمى مسلم
قال الله تعالى: ومن يقتل مؤمنا متعمدا
فجزاؤه جهنم خالدا فيها و غضب الله عليه
.
وقال تعالى: ولا تقتلوا النفس الذي حرم الله إلا بالحق. وقال رسول الله:
أعظم الكبائر عند الله قتل النفس. فمن قتل نفسه بسكين لا تزال الملائكة تطعنه بتلك
السكين في أودية جهنم وإن ألقي نفسه من مكان حتى يموت لا تزال الملائكة تطعنه بتلك
السكن في اودية جهنم و ان ألقى نفسه من مكان حتى يموت لا تزال الملائكة تلقيه من
شاهق إلى واد في النار وإن علق نفسه بحبل فمات لايبرح معلقا في جذوع من نار وإن قتل غيره بغير حق لا تزال الملائكة
تذبحه بسكين من نار وهكذا فالجزاء من جنس العمل. و لحديث عبد الله بن مسعود رضي
الله عنه في صحيح البخاري : أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدما
الشعبة
الثامنة والثلاثون
الإحتراز
في الأكل والشرب عن الحرام
عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال قال رسول
الله: لا يدخل الجنة جسد غذى بحرام. رواه أبو يعلى وغيره.
(تنبيه) ينبغى
للعبد إذا أكل عند أحد من إخوانه أن يقول بعد الفراغ من الأكل ما استعمله الشيخ
أفضل الدين الأزهري وهو اللهم إن كان هذا الطعام حلالا فوسع على صاحبه واجزه خيرا
وإن كان حراما أوشبهة فاغفرلي وله وأرض عني أصحاب التبعات يوم القيامة برحمتك
ياأرحم الراحمين.
وينبغي
له أيضا أن يقول إذا دعى إلى طعام يشك في حله ما استعمله الشيخ الشعراني وهو اللهم
احمنى من الأكل من هذا الطعام الذي دعيت إليه فإن لم تحمني منه فلا تدعه يقيم في
بطني وإن جعلته يقيم في بطني فاحمني من الوقوع في المعاصي التي تنشأ منه عادة فإن
لم تحمني من الوقوع في المعاصي فاقبل إستغفاري وأرض عني أصحاب التبعات فإن لم تقبل
إستغفاري ولم ترضهم عني فاصبرني على العذاب يا أرحم الراحمين هكذا في الشرح وصية
الشيخ الكامل إبراهيم المتبولي. قال تعالى: حرمت عليكم الميتة و الدم و لحم
الخنزير و ما أهل به لغير الله و المنحنقة.
قال تعالى : إنما الخمر و الميسر و الانصاب و الازلام زجس من عمل الشيطان فاجتنبوه.
و قال ياآيها الذين آمنوا كلوا مما في الارض حلالا طيبا.
الشعبة
التاسعة والثلاثون
الإحتراز
عن المال الحرام
وذالك كالربا ونحوه فيجب أن يطلب الكسب
الحلال كزراعة وتجارة وصنعة قال بعض العارفين ترك الكسب على ثلاثة أوجه إما كسلا
وإما تقوى وإما خوفا من العار وحمية فمن تركه كسلا فلا بد له من السؤال من تركه
تقوى فلا بد له من الطمع فيما بأيدى الناس والأكل بدينه وذلك حرام ومن تركه خوفا
من العار وحمية فلا بد له من السرقة وقال بعضهم من اكتسب ليصون وجهه عن المسئلة
جاء يوم القيامة ووجهه كالقمر وسلم من منن الرجال التي هى أثقل من الجبال.
وقال بعض العلماء طلب الكسب لازم كطلب العلم
وهو أربعة أنواع فرض وهو كسب أقل الكفاية لنفسه وعياله ودينه ومستحب وهو كسب
الزائد على ذلك ليواسي به فقيرا أو يصل به رحما وهو أفضل من نفل العبادة ومباح وهو
كسب الزائد على ذلك للتنعم والتجمل وحرام وهو كسب ما أمكن للتفاخر كذا نقله بعضهم
عن تحفة الملوك.
و لحديث عبد الرحمن بن أبي بكرة في الصحيحين عن أبيه رضي الله عنهما قال خطبنا
رسول الله صلي الله عليه و سلم بمنى فقال
إن دمائكم و أموالكم و أعراضكم عليكم حرام.
الشعبة
الأربعون
يحرم على الرجل البالغ والخنثى إستعمال
الحرير وما أكثره حرير وزنا والمنسوج كله أو بعضه بذهب أو فضة والمموه بأحدهما إذا
حصل مما ذكر شيئ بالعرض على النار إلا أن يصدأ الذهب أو الفضة فلا يحرم ذلك.
ويحرم أيضا على الذكر ولو صبيا والأنثى ولو
صغيرة إستعمال أواني الذهب والفضة فيحرم على ولي الصغيرة تمكينها من استعمال ذلك.
ويحرم أيضا اقتناؤها كأن يضعها على الرف من
غير إستعمال سواء كان الإناء كله أو بعضه ولو قليلا من أحداهما أو منهما وسواء كان
الإناء صغيرا أو كبيرا جدا فيحرم المرود والمكحلة والإبرة والخلال والمرآة
والملعقة والمشط والمبخرة ونحوها.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: من لبس الحرير
في الدنيا ألبسه الله يوم القيامة ثوبا من نار أي من لبس الحرير من الرجال في
الدنيا عامدا عالما بغير ضرورة ألبسه الله يوم القيامة ثوبا من نار جزاء بما عمل.
قال النبي صلى الله عليه وسلم من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة. وقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم من لبس ثوب شهرة أعرض الله عنه حتى يضعه متى يضعه
والمعنى من لبس ثوب تكبر وافتخار لم ينظر الله إليه نظر رحمة فيصغره في العيون ويحقره
في القلوب.
وقال سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه
وسلم لا تأكلوا في آنية الذهب والفضة ولا تشربوا في صحافها أي الآنية.
(فائدة) روي
أن الحسن البصري وفرقدا إجتمعا على وليمة فالحسن عالم وفرقد عابد وفي الوليمة صحاف
ذهب وفضة فيها الخصيف وهو جملة من التمر أما الحسن فجلس على الطعام وأما فرقد
فاعتزل فجعل الحسن يأخذ الخصيف يفرغه من الصحفة ويضعه على الخبز ويأكل ثم التفت
وقال يا فريقد هلا صنعت هكذا فرأى الحسن أن التفريغ ليس استعمالا بل إزالة للمنكر
فجمع بفقهه بين سنة الوليمة بالأكل وجبر قلب الداعي وإزالة المنكر وتعليم الأحكام
الفقهية ولهذا صغر إسمه فقال يا فريقد تعريضا بالإنكار.
الشعبة
الحادية والأربعون
الإحتراز
عن اللعب المنهي
وذالك كالقمار والزمارة والصفارة والأوتار
فالقمار بكسر القاف وهو مغالبة بأخذ المال في أنواع اللعب والزمارة هي التغني بنحو
القصب والصفارة هي التغني بنحو ورق النبات والأوتار هي خيوط في عود. قال تعالى: قل
ما عند الله خير من اللهو و من التجارة.
الشعبة
الثانية والأربعون
التوسط
في النفقة بين الإسراف والإقتار
قال الله تعالى: ولا تجعل يدك مغلولة إلى
عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا .
أي لا تمسك يدك عن الإنفاق كل الإمساك ولا تبسطها في الإنفاق كل البسط فتصير
مذموما من الخلق والخالق إن أمسكتها كل الإمساك نادما إن بسطتها كل البسط ومنقطعا
بك لاشيئ عندك وقال تعالى: ولاتبذر تبذيرا. أي بالإنفاق في المعصية: إن المبذرين
كانوا إخوان الشياطين. أي أمثالهم في الشرارة وقال النبي ما خاب من استحار ولا ندم
من استشار ولا افتقر من اقتصد أي توسط بالإنفاق. وقال
تعالى : و الذين إذا انفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا و كان بين ذلك قواما .
و لحديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه في صحيح مسلم و نهى عن ثلاث قيل و قال و
إضاءة المال و إلحاف السؤال.
الشعبة
الثالثة والأربعون
ترك
الغل والحسد
فالغل بكسر الغين الحقد وهو ثمرة الغضب ومحل
قوة الغضب القلب ومعناه غليان دم القلب لطلب الإنتقام ومعنى الحقد أن يلزم قلبه
استثقاله وبغضه وأن يدوم ذلك ويبقى.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: المؤمن ليس
بحقود.
ثم حد الحسد كراهة النعمة وحب زوالها عن
المنعم عليه وهو من نتائج الحقد والحقد من نتائج الغضب فالحسد فرع الفرع والغضب
أصل الأصل. قال تعالى : و من شر حاسد إذا حسد. قال الحسن هو أول ذنب كان في السماء
أم يحسدون الناس علي ما آتاهم الله من فضله.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا
تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا
عباد الله إخوانا المسلم أخو المسلم.
والمعنى لا تتمنوا زوال النعمة عن الغير ولا
تزيدوا في ثمن المبيع لا لرغبة في شرائه بل لتغروا غيركم ولا يبغض بعضكم بعضا ولا
يعرض بعضكم عن بعض كراهة له ولا يقل بعضكم لمشترى سلعة في زمان الخيار أفسخ هذا
البيع وأنا أبيعك مثله بأرخص من ثمنه أو أجود منه بثمنه وتعاطوا يا عباد الله ما
تصيرون به كأنكم أولاد رجل واحد كما أنكم عباد رب واحد فان المسلم أخو المسلم في
الدين.
وعن الحسن بن على عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال: الغل والحسد يأكلان الحسنات كما
تأكل النار الحطب.
حكي: أن إبليس أتى
باب فرعون فقرع عليه الباب فقال فرعون من هذا فقال لو كنت إلها ما جهلت فلما دخل
قال لفرعون أتعرف في الأرض من هو شر منك قال من هو قال الحسد وبالحسد وقعت في هذه
المحنة.
الشعبة
الرابعة والأربعون
قال رسول الله: بحسب إمرئ من الشر أن يحقر
أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام
دمه وماله وعرضه.
والمعنى يكفي الإنسان من القبائح أن يستحقر
بأخيه المسلم لفقر أوغيره فاللائق تعظيمه وإكرامه فجميع ما يؤذي المسلم حرام إراقة دمه وأخذ ماله وذمه في حضرته أو
غيبته. و في الحديث : المسلم اخو المسلم لا يسلمه و لا يخذله و لا يحقره.
في الحديث من مات تائبا من الغيبة فهو آخر من يدخل الجنة ومن مات مصرا عليها فهو أول من يدخل النار وهو يبكى.
وقال صلى الله عليه وسلم: من حمى عرض أخيه
المسلم في الدنيا بعثه الله تعالى له ملكا يحميه يوم القيامة من النار. وقال صلى
الله عليه وسلم: من ذكر عنده أخوه المسلم وهو يستطيع نصره فلم ينصره أدركه الله
بها في الدنيا والآخرة ومن ذكر عنده أخوه المسلم فنصره نصره الله في الدنيا
والآخرة.
الشعبة
الخامسة والأربعون
الإخلاص
في العمل لله تعالى
قال الغزالي والإخلاص هو أن يكون غرضه محض
التقرب إلى الله تعالى فلو نام مثلا حتى يريح نفسه ليتقوى على العبادة بعده كان
نومه عبادة وكان له درجة المخلصين فيه ومن ليس كذلك فباب الإخلاص في الأعمال مسدود
عليه إلا على الندود. والإخلاص يضاده الإشراك. قال تعالى : و ما أمروا إلا ليعبدوا
الله مخلصين له الدين حنفاء.
و لحديث الي هريرة رضي الله عنه في صحيح مسلم قال الله تعالى أنا أغنى الشركاء من
اشرك فمن عمل لي عملا اشرك فيه معي غيرى فأنا منه بريئ و هو للذي اشرك. و لحديث جندب في الصحيحين من سمع سمع
الله به و من يرائي يرائي الله به.
وقد ورد في الخبر أن المرائي يدعى يوم
القيامة بأربع أسام يا مرائي يا مخادع يا مشرك يا كافر إنتهى.
وقال صاحب الشرح الوصية وكمال مقام الإخلاص
يحصل بشهود العبد أن عمله الصالح مخلوق لله تعالى على سبيل اليقين ليس له منه سوى
نسبة التكليف فقط ومن شهد عمله خلقا لله تعالى على سبيل اليقين لم يطلب عليه ثوابا
ولم تطرقه آفات العمل الثلاثة وهي الرياء والكبر والعجب. و عن سهل بن عبد
الله لا يعرف الرياء إلا مخلص و لا النفاق
إلا مؤمن و لا الجهل إلا عالم و لا المعصة إلا مطيع.
الشعبة
السادسة والأربعون
الفرح
بالطاعة والخزن على فقدانها
والذي ينبغي أن يخطر لكل مؤمن الفرح بالطاعة
والخزن على فقدانها والندم على فعل المعصية لكن لابد وأن يكون فرحه بالطاعة من حيث
أنها فضل من الله تعالى وتوفيق منه له كما قال الله تعالى: قل بفضل الله وبرحمته
فبذلك فليفرحوا. ولاينبغي أن يكون فرحه بها لأجل أنها برزت من فعله فهذا مذموم
ولابد أن يكون حزنه على فقدان الطاعة مع القيام بها وإلا فهو من علامات الخداع
بنفسه ومن لم يخزن على فوات الطاعة ولم يندم على فعل المعصية فهو من علامات موت
قلبه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن .
الشعبة
السابعة والأربعون
التوبة
قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا
توبوا إلى الله توبـة
نصوحا. ومعنى النصوح الخالص لله تعالى خاليا عن الشوائب. و قال
تعالى وتوبوا إلي الله جميعا أية المؤمنون لعلكم تفلحون .
وقال عليه الصلاة والسلام: التائب حبيب الله
والتائب من الذنب كمن لا ذنب له. ومن معانى التوبة ترك المعاصي في الحال والعزم
على تركها في الاستقبال وتدارك ما سبق من التقصير في سابق الأحوال وذلك لا يشك في
وجوبه وأما الندم على ما سبق والتحزن عليه فواجب وهو روح التوبة كما قاله الغزالي.
وسمع أبو بكر رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: ما من عبد يذنب ذنبا فيحسن الطهور
ويصلي ثم يستغفر الله إلا غفر له.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال
عشرا حين يصبح وحين يمسى أستغفر الله العظيم الذى لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب
إليه وأسأله التوبة والمغفرة من جميع الذنوب غفرت ذنوبه ولو كانت مثل رمل عالج ومن
قال سبحانك ظلمت نفسي وعملت سوءا فاغفرلي ذنوبي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت غفرت ذنوبه
ولو كانت مثل دبيب النمل.
وقال أبو عبد الله الوراق: لو كان عليك من
الذنوب مثل عدد القطر وزبد البحر محيت عنك إذا استغفرت بهذا الإستغفار وهو هذا
اللهم إني أسألك وأستغفرك من كل ذنب تبت إليك منه ثم عدت فيه وأستغفرك من كل ما
وعدتك من نفسي ثم لم أوف لك به وأستغفرك من كل عمل أردت به وجهك فخالطه غيرك
وأستغفرك من كل نعمة أنعمت بها علي فاستعنت بها على معصيتك.
قال السحيمي في لباب الطالبين وأخرج الطبراني
عن أبي الدرداء من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كل يوم سبعا وعشرين مرة كان من الذين
يستجاب لهم ويرزق.
وقال أبو الحسن الشاذلي إن أردت أن لا يصدأ
لك قلب ولا يلجه حم ولا كدر ولا يبقى عليك ذنب فأكثر من قولك سبحان الله وبحمده
سبحان الله العظيم لا إله إلا الله ثبت علمها في قلبي واغفرلي ذنبي واغفر للمؤمنين
والمؤمنات وقل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى.
الشعبة
الثامنة والأربعون
إتيان
الأضحية والعقيقة والهدي
والتضحية
ذبح الإبل أو البقر أو الغنم تقربا إلى الله تعالى. قال تعالى : فصل لربك و انحر. وقال: والبدن جعلنا ما لكم من شعائر الله لكم فيها خير.
ويدخل وقت الذبح بطلوع الشمس يوم النحر ومضى
قدر الصلاة العيد والخطبتين صلى الإمام أو لم يصل هذا عند الشافعي وآخر وقت
التضحية هو آخر أيام التشريق الثلاثة خلافا لأبي حنيفة ومالك فإنهما قالا إن آخره
آخر اليوم الثاني من أيام التشريق.
ويتصدق وجوبا من لحم الأضحية المتطوع بها على
الفقراء والمساكين ويسن أن لا يأكل فوق الثلث.
ويشترط في اللحم أن يكون نيئا ليتصرف فيه من
يأخذه بما شاء من بيع وغيره فلا يكفي جعله طعاما مطبوخا ودعاء الفقراء إليه
ليأكلوه.
وأما الأضحية المنذورة فلا يأكل المضحي منها
شيئا بل يجب عليه التصدق بجميعها حتى جلدها وقرنها. وأما العقيقة فهي ما يذبح عن
المولود يوم سابعه ويسن ذبحها عند طلوع الشمس فيذبح عن الغلام شاتان وعن الجارية
شاة ويهدي العاق منها للفقراء والمساكين فيحمل ما يهديه منها من لحمها ومرقها
إليهم ولا يدعوهم إليه ويطبخها بحلو إلا رجلها فتعطى نيئة للقابلة. والهدي هو ما
يساق للحرم تقربا إلى الله تعالى ووقت ذبحه هو وقت الأضحية.
الشعبة
التاسعة والأربعون
طاعة
أولي الأمر
تجب على كل مؤمن طاعة أولي الأمر في أمرهم
الواضح الجاري على قواعد الشرع ونهيهم كذلك فتجب طاعتهم على جميع الرعايا ظاهرا
وباطنا لقوله تعالى: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم.
وهم العلماء والأمراء لقوله صلى الله عليه وسلم: من أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصى
أميري فقد عصاني لكن لا يطاع في الحرام والمكروه وأما المباح فإن كان فيه مصلحة
عامة للمسلمين وجبت طاعته فيه وإلا فلا.
فلو نادى بعدم شرب الدخان المعروف الآن وجبت
عليهم طاعته لأن في إبطاله مصلحة عامة إذ في تعاطيه خسة لذوي الهيئات ووجوه الناس
كذا أفاده الباجوري.
لحديث أبي هريرة في الصحيحين من أطاعنى فقد أطاع الله و من عصاني فقد عصى الله ومن
يطع الامير فقد أطاعني و من يعص الأمير فقد عصاني.
الشعبة
الخمسون
التمسك
بما عليه جماعة
قال الله تعالى: واعتصموا بحبل الله جميعا
ولاتفرقوا .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لايحل دم إمرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث الثيب
الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة. والمعنى لا يجوز قتل شخص
مسلم قصدا إلا بإرتكاب خصلة من خصال ثلاثة إحداها الثيب الزاني والمراد بالثيب
الحر البالغ العاقل الواطئ أو الموطوءة في القبل في نكاح صحيح فيجب رجمه بالحجارة
إلى أن يموت والثانية قاتل النفس فيقتل قصاصا بالنفس التي قتلها عدوانا بالشروط
المذكورة في الفقه والثالثه التارك للإسلام المفارق للمسلمين ومفارقتهم هي الردة :
كأن سب نبيا أو سب ملكا أو سب الله وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحدث في
أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد. أي من أتى بأمر حادث في دين الإسلام العظيم القدر ما
ليس فيه فهو باطل. ما رواه أبي هريرة في صحيح مسلم :قال النبي من خرجه من الطاعة و
فارق الجماعة ثم مات مات ميتة جاهلية.
الشعبة
الحادية والخمسون
الحكم
بين الناس بالعدل
قال تعالى: فاحكم بيننا بالحق ولاتشطط.
وقال تعالى: ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون. قال تعالى :
وإذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل.
و قال تعالى : و أقسطوا ان الله يحب المقسطين.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حكم بين إثنين تحاكما إليه وارتضياه فلم
يقض بينها بالحق فعليه لعنة الله. و لحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في
الصحيحين لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالا فسلطه علي ملكته في الحق و آخر
آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها و يعلمها.
الشعبة
الثانية والخمسون
الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر
قال تعالى: ولتكن منكم أمة يدعون إلى
الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر و اولئك هم المفلحون.
وقال تعالى : كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر و
تؤمنون بالله.
وقال تعالى : لعن الذين كفروا من بني اسرائيل علي لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما
عصوا وكانوا نعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون.
و لحديث ابي سعيد في صحيح مسلم من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع
فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك اضعف الايمان.
وقال الشيخ محي الدين النووي في قوله تعالى:
يا أيها الذين أمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم. إن هذه الآية
الكريمة مما يغتر بها أكثر الجاهلين ويحملونها على غير وجهها بل الصواب في معناها
إنكم إذا فعلتم ما أمرتم به لا يضركم ضلالة من ضل ومن جملة ما أمروا به الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر والآية مرتبة في المعنى على قوله تعالى: ما على الرسول
إلا البلاغ.
وقال محمد ابن تمام الموعظة جند من جنود الله
تعالى ومثلها مثل الطين يضرب به على الحائط إن استمسك نفع وإن وقع أثر.
وقال سليمان الخواص من وعظ أخاه فيما بينه
وبينه فقد نصحه ومن وعظه على رءوس الإشهاد فقد بكته.
الشعبة
الثالثة والخمسون
التعاون
على البر والتقوى
قال الله تعالى: وتعاونوا
على البر والتقوى ولا تعاونوا علي الاثم و العدوان.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مشى في عون أخيه ومنفعته فله ثواب
المجاهدين فى سبيل الله. وعن أنس ابن
مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أغاث ملهوفا كتب الله له ثلاثا
وسبعين حسنة واحدة منها يصلح بها آخرته ودنياه والباقي في الدرجات. وقال صلى الله
عليه وسلم: من قضى حاجة لأخيه فكأنما خدم الله عمره. وقال صلى الله عليه وسلم: من
أقر عين مؤمن أقر الله عينه يوم القيامة. وقال صلى الله عليه وسلم: من مشى في حاجة
أخيه ساعة من ليل أونهار قضاها أو لم يقضها كان خيرا له من إعتكاف شهرين. وقال
عليه السلام: من فرج عن مؤمن مغموم أو أعان مظلوما غفر الله له ثلاثا وسبعين
مغفرة. وقال عليه السلام: إن من أحب الأعمال إلى الله إدخال السرور على قلب المؤمن
وأن يفرج عنه غما أو يقضي عنه دينا أو يطعمه من جوع. وعن علي ابن طالب قال قال
النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أراد الحاجة فليبكر لها يوم الخميس وليقرأ إذا خرج
من منزله آخر سورة آل عمران وآية الكرسي وإنا أنزلناه في ليلة القدر وأم الكتاب
فإن فيها حوائج الدنيا والآخرة .
الشعبة
الرابعة والخمسون
الحياء
من الله
قال النبي صلى الله عليه وسلم: الحياء من
الإيمان. روي عن عبد الله ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إستحيوا من
الله حق الحياء قال فقلنا يانبي الله إنا نستحيي قال ليس ذلك ولكن من إستحيا من
الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما حوى والبطن وما وعى والفرج واليدين والرجلين
وليذكر الموت والبلا بكسر الباء أي الفناء ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا
وآثر الآخرة على الأولى فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء وعن معاذ بن جبل
أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله يا ابن آدم استحي مني عند
معصيتك وأنا أستحي منك يوم العرض الأكبر أني أعذ بك يا ابن آدم تب إلي أكرمك كرامة
الأنبياء يا ابن آدم لاتحول قلبك عني فإنك إن حولت قلبك عني أخذلك فلا أنصرك يا
ابن آدم لو لقيتني يوم القيامة ومعك حسنات مثل أهل الأرض لم أقبل منك حتى تصدق
بوعدي ووعيدي يا ابن آدم إني أنا الرزاق وأنت المرزوق وتعلم أني أوفيك رزقك فلا
تترك طاعتي بسبب الرزق فإنك إن تركت طاعتي بسبب رزقك أوجبت عليك عقوبتي. عن ابي
مسعود الانصاري رضي الله عنه في صحيح البخاري إن مما أدرك الناس من كلام النبوة
الأولى اذا لم تستح فاصنع ما شئت.
الشعبة
الخامسة والخمسون
الإحسان
إلى الأبوين (بر الوالدين)
قال الله تعالى: واعبدوا الله ولاتشركوا
به شيئا وبالوالدين إحسانا.
و قال تعالى : وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه و بالوالدين احسانا إما يبلغن عندك
الكبر احدهما او كلاهما فلا تقل لهما أف و لا تنهر هما و قل لهما قولا كريما.
وقال صلى الله عليه وسلم: بر الوالدين أفضل
من الصلاة والصدقة والصوم والحج والعمرة
والجهاد فى سبيل الله.
وقال صلى الله عليه وسلم: ما على أحد إذا
أراد أن يتصدق بصدقة أن يجعلها لوالديه إذا كانا مسلمين فيكون لوالديه أجرها ويكون
له مثل أجورهما من غير أن ينقص من أجورهما شيئ. وقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: من حج عن والده بعد وفاته كتب الله لوالده حجة وكتب له براءة من النار. وقال
رجل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه أن لي أما بلغ منها الكبر أنها لا تقضي حاجتها
إلا وظهري لها مطية فهل أديت حقها قال لا لأنها كانت تصنع بك ذلك وهي تتمنى بقائك
وأنت تصنعه وتتمنى فراقها. و سئل النبي صلي الله عليه وسلم أي العمل أحب إلي الله
؟ قال الصلاة لوقتها قلت ثم أي ؟ قال بر الوالدين قلت ثم أي ؟ الجهاد في سبيل
الله.
الشعبة
السادسة والخمسون
صلة
الرحم
قال الله تعالى : فهل عسيتم ان توليتم ان
تفسدوا في الارض و تقطعوا ارحامكم.
و قال تعالى : والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه و يقطعون ما امر الله به ان
يوصل و يفسدون في الارض اولئك لهم اللعنة و لهم سوء الدار.
قال صلى الله عليه وسلم: من سره أن يمد له في عمره ويوسع له في رزقه فليتق الله
وليصل رحمه. وقال النبي صلى الله عليه وسلم صنائع المعروف تقي مصارع السوء وصدقة
السر تطفئ غضب الرب جل وعلا وصلة الرحم تزيد في العمر. و لحديث أنس بن مالك في
الصحيحين : من أحب ان يبسط له رزقه و ان ينشأ له في آثره فليصل رحمة.
الشعبة
السابعة والخمسون
حسن
الخلق
جمع
بعضهم علامات ذلك فقال هو أن يكون كثير الحياء قليل الأذى كثير الصلاح صدوق اللسان
قليل الكلام كثير العمل قليل الزلل قليل الفضول برا وصولا وقورا صبورا شكورا راضيا
حليما رفيقا عفيفا شفيقا لا لعانا ولا سبابا ولا نماما ولا مغتابا ولا عجولا ولا
حقودا ولا بخيلا ولا حسودا بشاشا هشاشا يحب في الله ويبغض في الله ويرضى في الله
ويغضب في الله.
الشعبة
الثامنة والخمسون
الإحسان
إلى المماليك
قال تعالى : و الكاظمين الغيظ و العافين من
الناس و الله يحب المحسنين.
وقال تعالى : و اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا و بالوالدين إحسانا و بذي القربى و
اليتامى و المساكين و الجار ذي القربى و الجار الجنب والصاحب بالجنب و ابن السبيل
و ما ملكت أيمانكم.
والذي
يهتم به في المعاشرة العفو عنهم وتعليمهم ما لا بد منه في أمور الدين والإنفاق
عليهم بقدر الكفاية فتعتبر رغبتهم وزهادتهم والإراحة لهم في الصيف في وقت القيلولة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: للملوك طعامه وكسوته بالمعروف ولا يكلف من
العمل ما لا يطيق. وقال صلى الله عليه وسلم: من لطم مملوكه أوضربه في غير تعليم
وتأديب فكفارته أن يعتقه والمعنى من ضرب مملوكه على وجهه أو ضربه على غيره في غير
تعليم وتأديب فكفارته أن يعتقه ندبا لا وجوبا بالإجماع فالضرب على الوجه حرام ولو
في التأديب. وعن على رضى الله عنه قال: كان آخر كلام رسول الله صلى الله عليه
وسلم: أوصيكم بالصلاة واتقوا الله فيما ملكت أيمانكم. وعن أبي هريرة: لا يقولن
أحدكم عبدي وأمتي كلكم عبيد الله وكل نسائكم إماء الله ولكن ليقل غلامي وجاريتي
وفتاي وفتاتي.
الشعبة
التاسعة والخمسون
طاعة
العبد لسيده
تجب طاعة العبد لسيده على قدر الطاقة فيما
ليس بمعصية وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إن العبد إذا نصح لسيده وأحسن عبادة ربه فله أجره مرتين ومعنى النصح الإخلاص
والصدق في العمل .
و حديث جابر بن عبد الله أيما عبد عبق فقد
برئت منه الذمة. و في مسند أبي داود من حديثه أيضا : العبد الابق لا يقبل الله منه
صلاته حتى يرجع إلي مواليه.
الشعبة
الستون
حفظ
حقوق الزوجة والأولاد
قال الله تعالى : قوا انفسكم و أهليكم نارا
وقودها الناس
يجب
على الرجل نفقة زوجته بالتمكين التام بحسب القدر اللائق به وهي مقدرة في القلة
والكثرة بإعتبار إعساره وإيساره وتوسطه ولا تسقط نفقتها بمضى الزمان بلا إنفاق بل
تصير دينا على الرجل لأن نفقة الزوجة معاوضة في مقابلة
التمكين بخلاف نفقة القريب فإنها تسقط بذلك لأنها معاونة.
ويجب على الرجل أيضا تعليم زوجته ما تحتاج
إليه من فروض العبادة وسننها من طهارة وصلاة وزكاة وصوم وحج وما يتعلق بالحيض وليس
ضربها على ترك الصلاة ونحوها من حقوق الله خلافا لإبن البارزي بل يقتصر على الأمر
بخلاف حقوق نفسه وهي صيانة نفسها من أن توطئ فرشه غيره والإحتجاب عن رؤية أجنبي
لشيئ من بدنها مما يحرم نظره وترك مطالبتها له بما فوق الحاجة وتعففها عن تناول
المال الحرام فيجوز ضربها بترك تلك الحقوق ويجب أيضا أن يعلمها وجوب طاعة الزوج
فيما ليس بمعصية ويعلما حرمة الكذب على وجود الحيض أو إنقطاعه إلى غير ذلك من أمور
الدنيا.
ويجب على الآباء نفقة الأولاد إذا أعسروا
وعجزوا عن الكسب لصغر أو زمانة أو جنون أو مرض وهذه النفقة لا تقدر في كثرتها
وقلتها بل هي بقدر الكفاية وتختلف بكبر الأولاد وصغرهم وزهادتهم ورغبتهم.
ويجب عليهم تعليمهم الأدب في صغرهم والطهارة
والصلاة وأمرهم بذلك بعد التمييز مع تمام سبع سنين وضربهم على ترك ذلك في عشر سنين
وتحذيرهم من الكذب والفجور والفحش والسرقة وغير ذلك من المنهيات ومن الحقوق تحسين
إسمهم إبتداء وتغييرا .
الشعبة
الحادية والستون
حب
أهل الدين
قال عليه السلام: من سره أن يزحزح عن النار
ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وليأت
إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه.
وعن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
قال: أكثروا من المعارف من المؤمنين فإن لكل مؤمن شفاعة عند الله يوم القيامة.
وقال صلى الله عليه وسلم: مثل المؤمين في
توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو منه تداعي سائره بالحمى والسهر.
وفي الحديث: إدخال السرور في قلب مؤمن خير من
عبادة ستين سنة. وينبغي أن يزيد في
توقير من دل هيئته وثيابه على علو منزلته فينزل الناس منازلهم. وروي أن عائشة كانت
في سفر فنزلت منزلا فوضعت طعامها فجاء سائل فقالت عائشة ناولوا هذا المسكين قرصا
ثم مر رجل على دابة فقالت أدعوه إلى الطعام فقيل لها تعطين هذا المسكين وتدعين هذا
الغني فقالت إن الله تعالى قد أنزل الناس منازلهم فلا بد لنا من أن تنزلهم تلك
المنازل فهذا المسكين يرضى بقرص ويقبح علينا أن نعطي هذا الغني على هذه الهيئة
قرصا. و لحديث أبي هريرة رضي الله عنه في صحيح مسلم و الذي نفسي بيده لا تدخلوا
الجنة حتى يؤمنوا و لا يؤمنوا حتى تحابوا أو لا أدلكم علي شيئ إذا فعلتموه تحاببتم
؟ أفشوا السلام بينكم.
الشعبة
الثانية والستون
رد
السلام من المسلمين
قال تعالى : و إذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن
منها أو ردوها. و لحديث أبي سعيد الحضري رضي الله عنه و إياكم
و الجلوس بالطرقات قالوا يا رسول الله ما لنا من مجالسنا بد نتحدث فيها فقال رسول
الله إذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه قالوا و ما حق الطريق ؟ قال غض البصر
و كف الأذى و رد السلام و الامر بالمعروف و النهي عن المنكر. و قال صلى الله عليه
وسلم: إذا سلم المسلم على المسلم فرد عليه صلت عليه الملائكة سبعين مرة. وقال صلى
الله عليه وسلم: إن الملائكة تعجب من المسلم يمر على المسلم ولا يسلم عليه.
ويسن
السلام قبل الكلام والمصاحفة عند السلام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تمام
تحيتاكم بينكم المصافحة.
الشعبة
الثالثة والستون
عيادة
المريض
قال صلى الله عليه وسلم: إذا عاد الرجل
المريض خاض
في الرحمة فإذا قعد
عنده قرت فيه. وحديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين : حق المسلم علي المسلم
خمس رد السلام و عيادة المريض و تشميت العاطس و اتباع الجنائز و إجابة الدعوة. و
حديث أمرنا رسول الله بسبع و نهانا عن سبع أمرنا بعيادة المريض و اتباع الجنائز و
رد السلام و تشميت العاطس وابرار القسم و
نصر المظلوم و إجابة الداعي.
وقال صلى الله عليه وسلم: إذا عاد المسلم
أخاه وزاره قال الله تعالى طبت وطاب ممشاك وتبوأت منزلا في الجنة.
وقال صلى الله عليه وسلم: تمام عيادة المريض
أن يضع أحدكم يده على جبهته أو على يده ويسأل كيف هو وتمام تحيتكم المصافحة.
الشعبة
الرابعة والستون
الصلاة
على الميت المسلم
قال صلى الله عليه وسلم: الجهاد واجب عليكم
مع كل أمير برا كان أو فاجرا وإن هو عمل الكبائر والصلاة واجبة عليكم خلف كل مسلم
برا كان أو فاجرا وإن هو عمل الكبائر والصلاة واجبة عليكم وعلى كل مسلم يموت برا
كان أو فاجرا وإن هو عمل الكبائر. أي فالجهاد وصلاة الجماعة وصلاة الجنازة من فروض
الكفايات.
ويسن أن يكون عدد المصلين على الميت مائة
لقوله صلى الله عليه وسلم: من صلى عليه مائة من المسلمين غفرت له ذنوبه.
و حديث توبان في صحيح مسلم من صلى علي جنازة
فله قيراط و من شهد دفنها فله قيراطان و القيراط مثل أحد.
الشعبة
الخامسة والستون
تشميت
العاطس
حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين :
حق المسلم علي المسلم خمس رد السلام و عيادة المريض و تشميت العاطس و اتباع
الجنائز و إجابة الدعوة. و حديث أمرنا رسول الله بسبع و نهانا عن سبع أمرنا بعيادة
المريض و اتباع الجنائز و رد السلام و تشميت العاطس وابرار القسم و نصر المظلوم و إجابة الداعي.
والتشميت
_ بالشين المعجمة _ هو أن يقال للعاطس
يرحمك الله وهو الدعاء له بالسلامة من الشوامت أي المصائب أو بالسين المهملة وهو
الدعاء له ببقاء سمته أي هيئته كما كان لأن العطاس ربما كان سببا لتعويج العنق.
قال الغزالي فيقول الذي يشمته يرحمكم الله
ويرد عليه العاطس فيقول يهديكم الله ويصلح بالكم.
وعن ابن مسعود قال: كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم يعلمنا يقول إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله رب العالمين فإذا قال ذلك
فليقل من عنده يرحمك الله فإذا قالوا ذلك فليقل يغفرالله لي ولكم وشمت رسول الله
صلى الله عليه وسلم عاطسا ولم يشمت آخر فسأله عند ذلك فقال إنه حمد الله وأنت سكت.
وحديث بريدة في صحيح مسلم عن ابي موسى الاشعري إذا عطش أحدكم فحمد الله فشمتوه فان
لم يحمد الله فلا تشمتوه.
الشعبة
السادسة والستون
البعد
عن كل مفسد
ثال تعالى : ياآيها الذين آمنوا لا تتخذوا
عدوي و عدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة و قد كفروا لما جاء كم من الحق يخرجون
الرسول و إياكم أن تؤمنوا بالله ربكم ان كنتم خرجتم جهدا في سبيلي و ابتغاء مرضاتي
شرون إليهم بالمودة.
و قال تعالى : ياآيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباكم و اخوانكم أولياء ان استجيبوا
الكفر علي الايمان و من يتولهم منكم فاولئك هم الظالمون.
و
حديث ابي مسعود رضي الله عنه في سنن أبي داود : لا يأكل طعامك إلا تقي و لا تصاحب
إلا مؤمن.
إياك
والبعد عن كل مفسد من كافر ومبتدع ومن يصدر منه الكبائر ومن ذلك الفرار من الفتن
بالدين والهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام فمن لم يقدر على إظهار الدين في بلده
بسبب الفتن وجب عليه الهجرة إلى بلدة يمكن إظهار الدين فيها وإن قدر على إظهاره
فترك الهجرة أفضل أما إذا قدر على القوة في بلده أو الإعتزال وكان بحيث لو هاجر
لصار موضعه دار حرب فالإقامة فيه واجبة كما أفاده الرملي في عمدة الرابح.
وقال ابن العماد: لا ينبغي للإنسان الجلوس
إلى فاسق لأنه إن سلم من مشاركته في الإثم لم يسلم من التخلق ببعض أخلاقه. فإن
الطبع يسرق عند الإجتماع من حيث لا يشعر الإنسان قال الله تعالى: قل كل يعمل على
شاكلته. أي كل واحد يعمل على طريق مشاكله ومخالطه وقال الشاعر:
(عن المرء لاتسئل وسل عن قرينه * فكل قرين بالمقارن يقتدى)
ومعنى
هذا البيت أنك إذا أردت معرفة الإنسان فلاتسأل عنه وانظر إلى من يخالطه فإنه يعمل
بطريقته إنتهى .
الشعبة
السابعة والستون
إكرام
الجار
قال تعالى : و بالوالدين إحسانا و بذي القربى
و اليتامى
و المساكين و الجار
ذي القربى و الجار الجنب و الصاحب بالجنب.
و قيل في التفسير : و الجار ذي القربى أي الجار الملاحق و الجار الجنب أي البعد
غير الملاحق. و الصاحب بالجنب أي الرفيق في السفر. و عن ابن عباس و مجاهد و قتادة
و الكلبي و مقاتل بن حيان و مقاتل بن سليمان والجار الجنب أي الاجنبي عنك و الصاحب
بالجنب أي الرفيق في السفر و زاد مقاتل ابن سليمان فقال في الصاحب بالجنب أنه الرفيق في السفر و الحاضر. وعن علي و عبد
الله بن مسعود في الصاحب بالجنب انها
المرأة . و عن سعيد بن جبير أنه الرفيق الصالح.
وذلك
بالإحسان إليه بالبشر وطلاقة الوجه وإرسال الطعام إليه وتحمل ما صدر منه فإن لم
يقدر على ذلك فليكف عن أذاه.
وقال صلى الله عليه وسلم: أحسن مجاورة من
جاورك تكن مسلما.
وقال صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله
واليوم الآخر فليكرم جاره. وفي الحديث من أراد أن يحبه الله فعليه بصدق الحديث
وأداء الأمانة وأن لا يؤذي جاره وفيه أيضا أن الجار الفقير يتعلق بجاره الغني يوم
القيامة ويقول يارب سل هذا لم منعنى معروفه والجار هو من بينك وبينه دون أربعين
دارا من أي جانب كذا أفاده السحيمي.
وقال النبي : من كان يؤمن بالله و اليوم
الآخر فليكرم جاره.
الشعبة
الثامنة والستون
إكرام
الضيف
وذلك بإحسان ضيافة من أتى إليه طالبا للإكرام
كالغريب بالبشر في وجهه وطيب الحديث معه وتعجيل ما حضر عنده وقيامه بنفسه في
خدمته.
فقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يخدم
الضيف بنفسه وكذلك أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعمر بن عبد العزيز وبإطعامه ثلاثة
أيام بقدر وسعه ولا ينبغي لأحد أن يتكلف للضيف بتحصيل ما ليس عنده بل يقدم إليه ما
كان في وسعه ولا يتكلف له بالقرض والشراء بالدين لقوله صلى الله عليه وسلم: أنا
والأتقياء من أمتي برآء من التكلف.
وقال صلى الله عليه وسلم: لا تتكلفوا للضيف
فتبغضوه فإنه من أبغض الضيف فقد أبغض الله ومن أبغض الله فقد أبغضه الله. وقال
سلمان الفارسي: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تتكلف للضيف ما ليس
عندنا وأن نقدم له ما حضر ولا فرق في ذلك بين أن يكون الضيف غنيا أو فقيرا وهو
يدخل البيت بالرحمة ويخرج بذنوب أهل المنزل.
وفي الحديث: ما من عبد مؤمن يأتيه ضيف فينظر
في وجهه ببشاشة إلا حرم الله جسده على النار.
وعن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه
وسلم: إذا أكل أحدكم مع الضيف فليلقمه بيده فإذا فعل ذلك كتب الله له عمل سنة صيام
نهارها وقيام ليلها وكان سيدنا إبراهيم عليه السلام إذا أراد الأكل يمشي الميل
والميلين في طلب الضيف ليأكل معه وكان يكنى أبا الضيفان وأراد أن يجعل لأمة محمد
صلى الله عليه وسلم ضيافة إلى يوم القيامة فقال الله له إنك لا تقدر على ذلك فقال
إلهي أنت تعلم بحالي وقادر علي إجابة سؤالي فاستجاب الله له فأمر جبريل أن يأتيه
بكف من كافور الجنة ويصعد به إلى جبل أبي قبيس وينفخه في الجو ففعل ذلك فانتشر في
الأرض فكل موضع وقع فيه شيئ منه صار ملحا إلى يوم القيامة فجميع الملح الذي في
الأرض من ضيافة إبراهيم عليه السلام. كذا ذكره أحمد السحيمي وأحمد ابن العماد.
ثم آدب الضيف أن يبادر إلى موافقة الضيف في
أمور منها أكل الطعام ولا يعتذر بشبع بل يأكل كيف أمكن.
الشعبة
التاسعة والستون
ستر
عيوب المسلمين
في حديث سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله
عنهما في الصحيحين عن أبيه : المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه و من كان في
حاجة أخيه كان الله في حاجته و من فرج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه
عنه كربة من كرب يوم القيامة و من ستر مسلما ستره الله يوم القيامة.
(واعلم)
إن ذكر مساوي الغير لغرض صحيح في الشرع بحيث لا يمكن التوصل إليه إلا به يباح في
خمسة عشر موضعا كما قاله ابن العماد.
1.
الإرشاد إلى قول صحيح
كأن سمعت واحدا يقول قولا منكرا فينبغي أن تقول له أنت قلت كذا وكذا فذلك غير
مناسب بل الأمر كذا.
2.
نصح المستشير في النكاح
أو في إيداع الأمانة أوغير ذلك فيجب عليك أن تخبره بحقيقة الحال لقوله صلى الله
عليه وسلم: إذا استنصح أحد كم أخاه فلينصح له.
3.
ذكر العالم المخطئ
لتابعه كما إذا سألك واحد عن مسألة فقال شيخي قال كذا وكذا فتقول شيخك مخطئ ومن
ذلك قول المصنفين في كتبهم قال فلان كذا وهو غلط أو خطأ أو نحو ذلك فهو جائزان
أرادوا بيان غلطه أو خطئه لئلا يقلد وإلا حرم.
4.
الإستعانة على تغيير
المذكرات كأن تقول لمن ترجو قدرته على إزالتها فلان يعمل كذا فأعني على منعه بشرط
أن يكون قصده التوصل إلى إزالتها وإلا حرم ذلك.
5.
التعريف كأن تقول
فلان الأعرج أو الأعور أو نحو ذلك بحيث لا يعرف إلا باسمه القبيح فإن أمكن تعريفه
بغيره فهو أولى وذلك بشرط قصد التعريف فإن كان بقصد التنقيص حرم.
6.
العصمة عن الفساد كأن
تقول لشاهد غير عدل هذا لا يصلح للشهادة لأنه فعل كذا وكذا.
7.
الإستفتاء
كأن تقول للمفتي ظلمني أبي أو زوجتي أو أخي وكيف طريقي فى الخلاص والأسلم التعريض
بأن تقول ما قولك في رجل ظلمه أبوه أو أخوه أو زوجته ولكن التعيين مباح بهذا العذر
كما قاله الغزالي.
8.
الزجر عن الفسق كما
إذا كان الإنسان لا يكتم عيبه كمن يخبر عن نفسه بالزنا والفواحش فيجوز إغتيابك له
بما فسق به لا بغيره من العيوب بشرط أن تقصد أن تبلغه لينزجر هذا إذا أخبر على وجه
الأعجاب مثلا فإن أخبر عن عيبه على وجه الندم والتوبة حرم إغتيابه ولو كان مظهر
الفسق عالما حرم مطلقا لأن الناس إذا سمعوا منه ذلك هانت عندهم الفواحش وجسروا على
فعلها.
9.
التحذير من الشر فإذا
رأيت شخصا يريد الإجتماع مع من له عيوب فيجوز لك أن تذكر عيوبه إذا لم ينكف بدون
ذكرها وإلا حرم.
10.
غيبة مظهر البدعة.
11.
غيبة مخفي البدعة.
12.
ذكر مساوي الخصم
للحاكم حين الدعوى أو السؤال.
13.
أن تشكو الظالم إلى
القاضي أو الوالي فتذكر عيوبه.
14.
غيبة الكافر الحربي
أما الذمي فتحرم غيبته.
15.
غيبة المرتد لا تارك
الصلاة المفروضة.
قال ابن العربي وينبغي لكل مسلم أن يعتقد أن
جميع ما يصدر من أهل البيت قد عفا الله عنهم فيه وليس لنا ذم أحد فكيف بأهل البيت
فقد أخبرني الثقة عندي بمكة قال كنت أكره ما يفعله الشرفاء بمكة في الناس فرأيت في
النوم فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي معرضة عني فسلمت عليها وسألتها
عن إعراضها فقالت إنك تقع في الشرفاء فقلت لها يا سيدتي أما ترين ما يفعلون في
الناس فقالت أليس هم أبنائي فقلت لها من الآن تبت فأقبلت علي فاستيقظت ذكر هذه
القصة أحمد السحيمي في لباب الطابين.
(حكي) أبو على الدقاق أن إمرأة جاءت
إلى سيدي حاتم بن علوان الأصم قدس الله سره تسأله عن مسألة فاتفق أنه خرج منها صوت
ريح فخجلت المرأة فقال حاتم إرفعي صوتك وأراها أنه أصم فسرت المراة بذلك ورأت أنه
لم يسمع الصوت فبذلك سمي هذا الشيخ بالأصم.
الشعبة
السبعون
الصبر
على الطاعة
قال تعالى : واستعينوا بالصبر و الصلوة و
إنها لكبيرة إلا علي الخاشعين.
و قال : إنما يوفى الصابرون أجرهم
و حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في
الصحيحين قال : دخلت علي رسول الله صلي الله عليه و سلم و هو يوعك وعكا شديدا فقلت
: انك لتوعك وعك الرجلين فقال أجل أوعك كما يوعك رجلان منكم قال فقلت ذلك بأن لك
أجرين ؟ قال أجل و ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله به من سيئاته
كما تحط الشجرة و رقها.
ينبغي
أن يكون للإنسان الصبر على الطاعة حتى يؤديها
وعلى المصيبة
الدنيوية بحيث لا يتسخطها وعن المعصية حتى لا يقع فيها وعلى أمور الناس بأن لا
يكافئهم على ما أساءوا وأن يحتمل لهم وأن يعفو عنهم.
قال الغزالي في الإحياء والصبر ضربان.
(أحدهما)
بدني كتحمل المشاق بالبدن وهو إما بالفعل كتعاطى الأعمال الشاقة من العبادات
وغيرها وإما بالإحتمال كالصبر على الضرب الشديد والمرض العظيم وذلك يكون محمودا
إذا وافق الشرع.
(وثانيهما)
نفسي فان كان عن شهوة البطن والفرج سمي عفة وإن كان في مصيبة سمي صبرا وتضاده حالة
تسمى الجزع وإن كان في حال الغني سمي ضبط النفس وتضاده حالة تسمى البطر وإن كان في
حرب ومقاتلة تسمى شجاعة ويضاده الجبن وإن كان في كظم الغيظ و الغضب سمي حلما و
يضاده التذمر وإن كان في نائبة مضجرة سمي سعة الصدر ويضاده الضجر والتبرم وضيق
الصدر وإن كان في إخفاء الكلام سمي كتمان السر وسمي صاحبه كتوما وإن كان عن فضول
العيش سمي زهدا ويضاده الحرص وإن كان صبرا على قدر يسير من الحظوظ سمي قناعة ويضاد
الشره فأكثر أخلاق الإيمان داخل في الصبر إنتهى. ولذلك قال صلى الله عليه وسلم
الصبر نصف الإيمان واليقين الإيمان كله.
الشعبة
الحادية والسبعون
الزهد
هو الإقتصار على قدر الحاجة مما تيقن حاله
وهذا زهد العارفين وهو المراد هنا وأما الزهد في الحرام فواجب عام على جميع الناس
وقيل الزهد تفريق المجموع وترك طلب المفقود وتقديم غيره على نفسه عند وجود القوت.
وقال الغزالي والزهد أن تترك الدنيا لعلمك
بحقارتها بالنسبة إلى نفاسة الآخرة وليس من الزهد ترك المال وبذله على سبيل السخاء
وعلى سبيل استمالة القلوب وفي سبيل الطمع لأن ذلك كله من محاسن العادات ولا مدخل
لشيئ منه في العبادات إنتهى.
قال تعالى : فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم
بغتة فقد جاء أشراطها.
و في حديث ابن عباس في صحيح البخاري : نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة و
الفراع. و حديث أبي سعيد الحضري في صحيح مسلم أن الدنيا حلوة خضرة و ان الله
مستخلفكم منها فناظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا و اتقوا النساء فإن أول فتنة بنى
إسرائيل كانت في النساء.
الشعبة
الثانية والسبعون
الغيرة
وترك المذاء
قال تعالى : قوا أنفسكم و أهليكم نارا و قود
ها الناس و الحجارة.
وقال : قل للمؤمنين يغضضن من أبصارهن و يحفظن فروجهن.
و لحديث أبي هريرة في صحيح البخاري : ان الله عز و جل يغار و ان المؤمن يغار وغيرة
الله ان يأتي المؤمن ما حرم عز و جل عليه.
فالغيرة
ـ بفتح الغين المعجمة وسكون الياء ـ كراهة شركة الغير في حقه والمذاء ـ بكسر الميم
والمد ـ هو أن يدخل الرجل على أهله ثم يخليهم حتى يميل بعضهم إلى بعض فينبغي للرجل
أن يكون صاحب غيرة عند رؤية ما يخالف الشرع وعند حصول الريبة بخلاف سوء الظن
بالمرء من غير ريبة فانه مذموم.
وأشرف الناس وأعلاهم همة أشدهم غيرة على نفسه
وخواصه وعموم المؤمنين.
قال صلى الله عليه وسلم: الغيرة من الإيمان
والمذاء من النفاق. رواه البزار والبيهقي والله تعالى كتب على باب الجنة أنت حرام
على الديوث.
فالديوث هو الذي يرضى بالقبيح على أهله فإنه
لايدخل الجنة وإن السموات السبع والأرضين السبع والجبال تلعن الزاني والديوث هذا
إذا علم وسكت وأما إذا لم يعلم فلا ينبغي أن يظن ظن السوء وأن يتجسس البواطن وينقب
ويفتش عورات الناس فإن ذلك المذموم في الشرع.
الشعبة
الثالثة والسبعون
الإعراض
عن لغو
الكلام
قال تعالى : قد أفلح المؤمنون الذين هم في
صلاتهم خاشعون و الذين هم عن اللغو معرضون.
و قال : و إذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه.
قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو
ليصمت. رواه البخاري ومسلم
أي من كان يؤمن
إيمانا كاملا بالله ويوم القيامة فليتكلم بما له
فيه
منفعة ككلمة الحق عند ظالم أو ليسكت عما لا منفعة له فيه.
حديث أبي سلمة عن أبي هريرة و علي بن الحسين
عن أبيه عن علي رضي الله عنهم أن رسول الله صلي الله عليه و سلم قال : من حسن
إسلام المرء تركه ما لا يعنيه.
وقال
رجل لبعض العارفين أوصني قال: إجعل لدينك غلافا كغلاف المصحف لئلا تدنسه قال وما
غلاف الدين قال ترك الكلام إلا فيما لا بد منه وترك مخالطة الناس إلا فيما لا بد
منه وترك طلب الدنيا إلا فيما لا بد منه فإذا أكره الإنسان على قول الشر أو السكوت
عن الخير أو خاف على نفسه من قول الخير فهو معذور قد تجاوز الله عنه كذا قال
السحيمي.
الشعبة
الرابعة والسبعون
وهو صرف المال فيما يحمده الشرع قال الغزالي:
واعلم أن الجود وسط بين الإسراف والإقتار وبين البسط والقبض وهو أن يقدر بذله
وإمساكه بقدر الواجب ولا يكفي أن يفعل ذلك بجوارحه ما لم يكن قلبه طيبا به غير
منازع له فيه وعن ابن عباس أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تجافوا عن
ذنب السخى فإن الله آخذ بيده كلما عثر. وقال ابن مسعود قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: الرزق إلى مطعم الطعــام أسرع من السكين إلى ذروة البعير وإن الله
تعالى ليباهي بمطعم
الطعام الملائكة. قال الله تعالى : و سارعوا إلي مغفرة من ربكم و جنة عرضها
السموات و الارض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء و الضراء.
و قال : ان الله لا يحب من كان مختالا فخورا الذين يبخلون و يأمرون الناس بالبخل و
يكتمون ما آتاهم الله من فضله و اعتدنا للكافرين غذابا مهينا.
و لحديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين ما من يوم يصح العباد فيه إلا ملكان
ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا و يقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا.
وقال بعضهم إن فى الكتب الأربعة ألفاظ
متناسبة فإنها نزلت أولا بالعربية ثم يعبر كل نبي بلغة قومه. ففي التوراة والكريم
لا يضام أبدا ومعنى لا يضام أي لا يضار. وفي الإنجيل والبخيل يأكل أمواله العدا
بكسر العين وبالقصر. وفي الزبور والحسود لا يسود أبدا. وفي الفرقان: والذي خبث لا
يخرج إلا نكدا. (حكاية) قال عبد الله بن المبارك حججت سنة من السنين فكنت
في حطيم إسماعيل فنمت فرأيت في المنام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لي إذا
رجعت إلى بغداد فادخل محلة كذا وكذا واطلب بهرام المجوسي وأقرئه مني السلام وقل له
إن الله تعالى راض عنك فانتبهت فقلت لاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم هذه
رؤيا من الشيطان فتوضأت وصليت وطفت بالكعبة ما شاء الله فغلبني النوم فرأيت كذلك
ثلاثة مرات فلما أتممت بالحج ورجعت إلى بغداد وسألت عن المحلة والدار فوجدت شيخا
فقلت أنت بهرام المجوسي قال نعم قلت هل لك عند الله خير قال نعم كان لي أربع بنات
وأربع بنين وزوجتهن من أبنائي فقلت هذا حرام هل عندك غير ذلك قال نعم جعلت وليمة
للمجوس في وقت تزويج البنات قلت هذا حرام هل عندك غير ذلك قال نعم كانت لي بنت من
أجمل الناس ما وجدت لها كفئا فزوجتها من نفسي وجعلت وليمة أول ليلة دخلت بها فكان
في تلك الليلة من المجوس أكثر من الألف فقلت هذا حرام أيضا هل عندك غير ذلك قال
نعم الليلة التي وطئت فيها ابنتي جائت إمرأة مسلمة من أهل دينك تسرج من سراجي
فأوقدت السراج وخرجت فأطفأته ورجعت فدخلت تفعل مثل ذلك ثلاث مرات فقلت في نفسي لعل
هذه المرأة جاسوسة اللصوص فخرجت خلفها فلما دخلت هي منزلها على بنات لها قلن لها
يا أماه هل جئت لنا بشيئ فإنه لم يبق لنا طاقة وصبر من الجوع فدمعت عيناها وقالت
أستحيت من ربي أن أسأل أحدا دونه خصوصا من عدو الله الذي هو مجوسي قال بهرام فلما
سمعت كلامها رجعت إلى داري وأخذت طبقا فملأته من كل شيئ وذهبت بنفسي إلى دارها قال
عبد الله بن المبارك فقلت له هذا خير ولك البشارة وبشرته برؤيا رسول الله صلى الله
عليه وسلم وقصصت عليه الرؤيا فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده
ورسوله وخر من ساعته ميتا فغسلته وكفنته وصليت عليه ودفنته. وكان عبد الله المبارك
يقول ياعباد الله إستعملوا السخاء مع خلق الله تعالى فإنه ينقل الأعداء إلى درجة
الأحباء .
الشعبة
الخامسة والسبعون
توقير
الكبير ورحمة الصغير
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس منا
من لم يوقر كبيرنا ولم يرحم صغيرنا ولم يعرف لعالمنا حقه. وقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم. وفي حديث عبد الله بن عمرو في
سنن أبي داود من لم يرحم صغيرنا و لم يعرف حق كبيرنا فليس منا. و حديث جابر بن عبد
الله في صحيح مسلم : من لا يرحم الناس لا يرحمه الله تعالى.
وعن أنس بن مالك أنه قال قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: إن الله تعالى ينظر إلى وجه الشيخ صباحا ومساء ويقول يا عبدي قد
كبر سنك ورق جلدك ودق عظمك واقترب أجلك وحان قدومك إلى فاستحي مني فأنا أستحي من
شيبتك أن أعذبك في النار (وحكي) أن عليا كان يذهب إلى الجماعة لصلاة الفجر
مسرعا فلقي شيخا في الطريق يمشي قدامه على السكينة والوقار في سلك الطريق فما مر
علي تكريما له وتعظيما لشيبته حتى حان وقت طلوع الشمس فلما دنا الشيخ من باب
المسجد لم يدخل فيه فعلم علي أنه من النصارى فدخل المسجد فوجد رسول الله صلى الله
عليه وسلم في الركوع فلما فرغ من صلاته قالوا يا رسول الله لم طولت الركوع في هذه
الصلاة ما كنت تفعل مثل هذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ركعت وقلت
سبحان ربي العظيم كما كان وردي وأردت أن أرفع رأسي جاء جبريل ووضع جناحه على ظهري
وأخذني طويلا فلما رفع جناحه رفعت رأسي فقالوا لم فعل هذا فقال ما سألته عن ذلك
فحضر جبريل وقال يا محمد إن عليا كان يستعجل للجماعة فلقي شيخا نصرانيا في الطريق
ولم يعلم أنه نصراني فأكرمه لأجل شيبته وما مر عليه فأمرني الله تعالى أن أخذك في
الركوع حتى يدرك معك على صلاة الفجر وأمر الله تعالى ميكائيل أن يأخذ الشمس بجناحه
حتى لا تطلع بحرمة علي رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس الرحيم
الذي يرحم نفسه وأهله خاصة ولكن الرحيم الذي يرحم المسلمين وقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: من مسح على رأس يتيم كان له بكل شعرة تمد عليها يده نور يوم
القيامة (حكاية) قال علي جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم: فقال يا
رسول الله عصيت فطهرني قال وما عصيانك قال أستحي من أن أقول فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: أتستحي مني أن تخبرني عن ذنبك ولم لم تستحي من الله تعالى وهو
يراك قم فاخرج من عندي حتى لا تنزل النار علينا فخرج الرجل خائبا وآيسا وباكيا من
عند رسول الله فجاء جبريل وقال يا محمد لم آيست العاصي وله كفارة لذنوبه وإن كانت
كثيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما كفارته قال له صبي صغير فإذا دخل في
بيته والصبي يستقبله فيدفع إليه شيئا من المأكولات أو ما يفرح به فإذا فرح الصبي
يكون كفارة لذنبه. و حديث أبي هريرة في الصحيحين جعل الله الرحمة مائة جزء فأمسك
عنده تسعة و تسعين و أنزل في الارض جزءا واحدا فمن ذلك الجزء يتراحم الخلائق حتى
ترفع الفرس حافرهاعن ولدها خشية ان تصيبه.
الشعبة
السادسة والسبعون
قال الله تعالى: فأصلحوا بين أخويكم.
وقال تعالى: من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها. وقال تعالى: إنما
المؤمنون إخوة فاصلحوا بين أخويكم.
و قال تعالى: لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة او معروف او اصلح بين
الناس و من يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما.
وقال صلى الله علييه وسلم: ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة قالوا
بلى قال إصلاح ذات البين. وقال صلى الله عليه وسلم: أفضل الصدقة إصلاح ذات البين.
وقال صلى الله عليه وسلم: ليس بكذاب من أصلح بين اثنين فقال خيرا. وقال صلى الله
عليه وسلم: أفضل الصدقة أن تعين بجاهك من لا جاه له. (واعلم) أن هجر المسلم المسلم
أكثر من ثلاثة أيام مهما غضب عليه حرام إن واجهه ولم يكلمه حتى بالسلام إلا لعذر
شرعي ككون المهجور نحو فاسق أو مبتدع فلا يحرم وإن كان هجره لا يفيده ترك الفسق
نعم لو علم أن هجره يحمله على زيادة الفسق إمتنع أما لو لم يواجهه فلا حرمة وإن
مكث سنين كما قاله المدابغي قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه
فوق ثلاثة أيام فمن هجره فوق ثلاث فمات دخل النار.
الشعبة
السابعة والسبعون
محبة
الناس ما تحب لنفسك
وهي أن تحب للناس ما تحب لنفسك. قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه. رواه البخاري
ومسلم.
قال السحيمي في معنى هذا الحديث أي لا يكمل
إيمان أحدكم حتى يحب لكل أخ ولو كافرا من غير أن يخص بمحبته أحدا دون آخر مثل ما
يحب أن يحصل لنفسه من الطاعات والمباحات الدنيوية بأن تفعل معه ما تحب أن يفعله
معك وتعامله بما تحب أن يعاملك به وتنصحه بما
تنصح به نفسك وتحكم له بما تحب أن يحكم لك به ويحتمل أذاه وتكف عن عرضه وإذا رأيته
له حسنة أظهرتها أو سيئة كتمتها إنتهى.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الراحمون
يرحمهم الرحمن إرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.
وختم المؤلف كتابه بذكر الجنة إشارة إلى حسن
الختام فإن ذلك مطلوب من المصنفين. ثم إنى أردت أن أذكر حديثا جامعا مناسبا لما في
هذا الكتاب وهو هذا.
عن مجاهد عن سلمان رضي الله تعالى منهما عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من حفظ على أمتي هذه الأربعين حديثا دخل الجنة
وحشره الله تعالى مع الأنبياء والعلماء يوم القيامة فقلنا يا رسول الله أي
الأربعين حديثا فقال عليه السلام: أن تؤمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب
والنبيين والبعث بعد الموت وبالقدر خيره وشره من الله تعالى وتشهد أن لا إله إلا
الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة باسباغ الوضوء لوقتها بتمام ركوعها وسجودها
وتؤدي الزكاة بحقها وتصوم شهر رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا وتصلي اثني
عشرة ركعة في كل يوم وليلة وهي سنتي وثلاث ركعات وترا لا تتركها ولا تشرك بالله
شيئا ولا تعص والديك ولا تأكل مال اليتيم ولا تأكل الربا ولا تشرب الخمر ولا تخلف
بالله كاذبا ولا تشهد شهادة الزور على أحد قريب أو بعيد ولا تعمل بالهوى ولا تغتب
أخاك ولا تقع فيه من خلفه وقدامه ولا تقذف المحصنة ولا تقل لأخيك يا مرائي فتحبط
عملك ولا تلعب ولا تله مع اللاهين ولا تقل للقصير يا قصير تريد بذلك عيبه ولا تسخر
من أحد من الناس ولا تأمن من عقاب الله تعالى ولا تمش بالنميمة فيما بين الأخوان
وتشكر لله على كل نعمة التي أنعم بها عليك وتصبر عند البلاء والمصيبة ولا تقنط من
رحمة الله وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك ولا تطلب
سخط الرب برضا المخلوقين ولا تؤثر الدنيا على الآخرة وإذا سألك أخوك المسلم مما
عندك فلا تبخل عليه وانظر في أمر دينك إلى من فوقك وفي أمر دنياك إلى من هو دونك
ولا تكذب ولا تخالط السلطان ودع الباطل ولا تأخذ به وإذا سمعت حقا فلا تكتمه وأدب
أهلك وولدك بما ينفعهم عند الله ويقربهم إلى الله وأحسن إلى جيرانك ولا تقطع
أقاربك وذا رحمك وصلهم ولا تلعن أحدا من خلق الله تعالى وأكثر التسبيح والتهليل
والتحميد والتكبير ولا تدع قراءة القرآن على كل حال إلا أن تكون جنبا ولا تدع خضور
الجمعة والجماعات والعيدين وانظر كل ما لم ترض أن يقال لك ويصنع بك فلا ترض به
لأحد ولا تصنعه به بل قال سلمان رضي الله تعالى عنه قلت يا رسول الله ما ثواب هذه
الأربعين حديثا قال عليه السلام والذي بعثني بالحق نبيا إن الله تعالى يحشره يوم
القيامة مع الأنبياء والعلماء ومن تعلم هذه الأربعين حديثا وعلمها الناس كان ذلك
خيرا من أن يعطي الدنيا وما فيها إنتهى فمعنى قوله صلى الله عليه وسلم: من حفظ على
أمتي أي من نقل إليهم بطريق التخريج والإسناد وإن لم يحفظ اللفظ ولم يعرف المعنى
إذ به يحصل إنتفاع المسلمين بخلاف حفظ ما لم ينقل إليهم كذا نقل عن العزيزي ثم
المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: وتصلي اثنتي عشرة ركعة في كل يوم وليلة ما بينه
النسائي عن أم حبيبة وهو أربع ركعات قبل الظهر وركعتان بعده وركعتان قبل العصر
وركعتان بعد المغرب وركعتان قبل صلاة العشاء.
وختم المؤلف بذكر الصلاة على النبي صلى الله
عليه وأله وسلم رجاء البركة لقوله صلى
الله عليه وسلم: لو أن عبدا جاء يوم القيامة بحسنات أهل الدنيا ولم يكن فيها
الصلاة على ردت عليه ولم تقبل وقال على بن أبي طالب: من صلى على محمد وعلى آل محمد
مائة مرة قضى الله تعالى له مائة حاجة وفي الحديث معرفة آل محمد براءة من النار
وحب آل محمد جواز على الصراط والولاية لآل محمد أمان من العذاب فنسأل الله تعالى
أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه وأن يرزقنا العلم وعمله والموت
على دين الإسلام ودخول السلام آمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
والحمد لله رب العالمين.
Tidak ada komentar:
Posting Komentar